د. مينا ملاك عازر
قالها الدبلوماسي الرائع، ووزير الدولة الشئون الخارجية الأسبق، وأمين عام الأمم المتحدة الأسبق، ورئيس مجلس الفرانكفوني الأسبق، العظيم بطرس بطرس غالي عن بعض الدول الأفريقية، أن الاستعمار أخطأ وأهلها أخطأوا حين تركوا الاستعمار يغادرها، وكان الأفضل لها الاستعمار، هذا ليس نص ما قاله لكنه مضمونه، كنت أظنه يتجنى، لكن أن أرى هذا يتجلى في لبنان هذه هي المأساة.
سويسرا الشرق، ومن يتمتع أهلها بالثقافة الرائعة والجمال الخلاب في أشخاصهم وطبيعتهم، والسحر في كل شيء يجعلك مفتون بلبنان، وجمال لبنان وأرز لبنان وجبال لبنان هذا أمر مذهل بالنسبة لي، أن يطالب أكثر من خمسين ألف لبناني بعودة الانتداب الفرنسي، فهو أمر يحتاج للتأمل والتروي، وأنت تقيمه، لفرنسا دور كبير فيما وصل إليه لبنان من طائفية مقيتة وتفتت لحد أن وصلوا للدويلات فالدستور اللبناني الذي يكرس ويضمن التمثيل الطائفي دون النظر للكفاءة له دور كبير، أنا لا أغض النظر عن قدرات المال والفساد في إيصال من لا يستحقوا لمراكز قيادية ليسوا جديرين بها، لكني أيضا أؤكد على أن الذين بالخارج لهم دور فعال في زيادة الأمر وتفشي الوضع الطائفي منذ اتفاقية الطائف وحتى لحظتنا هذه، وبالرغم من وطنية رفيق الحريري -الشهيد بيد حزب الله اللبناني وعقبتهم الكاؤد- الا أنه كان يتكأ علي الخارج، وخلال تلك الأحداث استطاع حزب الله ان يصل لما وصل إليه الآن من تمكن من كل مفاصل الدولة والتحكم في مرافقها ومطاراتها ومخارجها البرية وما شابه حتى أن جزء من المسؤولية التي تقع عليهم في تفجير لبنان الأخير تقع عليهم من هذا المنطلق، بأنهم المتحكمين في كل ما يتعلق بحياة اللبنانيين.
هنا تكمن المفارقة في أنه ربما لا يملكون المادة المتسببة في الانفجار لكنهم خزنوها وراعوها وحفظوها ومسؤولون عن وجودها، هذا أمر ليس لهذا المقال المساحة المناسبة لمناقشته ومناقشة دور حزب الله في خراب لبنان واختياره التوقيتات الخاطئة في الاقتتال مع الإسرائيليين والانجرار وراءهم في قتال أفقد لبنان مركزها السياحي في صيف ألفين وستة وهكذا كانت الأمور تسير.
لكن لا أشك لحظة أن التدخلات الخارجية سنية وشيعية وما شابه كان لها الدور في تفشي الوضع الطائفي الذي يسند الفساد اللبناني والتواجد الخاطئ لرجال في أماكن لا يستحقونها أبداً.
فيأتي الآن السؤال، كيف للبنانيين أن يختاروا استعادة الانتداب الفرنسي عليهم!؟ لهذا الحد يرون أن من يحكمونهم وبالاً عليهم، لهذا الحد شعروا بأنه كان من السهل الإطاحة وإخراج الفرنسيين من البلاد وتنحيتهم من الحكم في حين أنه صعب تحرير لبنان من استعمار ولاد البلد أنفسهم.
مرة أخرى، أجد نفسي مندهش من الطلب اللبناني، لكني أكون أكثر انبهاراً من ذكاء ماكرون وهو يتهرب من تلك المطالبات المحرجة، وهو يضمن سيادة لبنان لكن أي سيادة تلك التي تضمنها يا سيد ماكرون، وللإجابة على السؤال الاستنكاري هذا نلتقي المقال القادم -بإذن الله-
المختصر المفيد الغباء والدماء لهما دور كبير في إيصال الوضع لما هو عليه للأسف.