مراد وهبة
ما كنت أتصور أن يأتى اليوم الذى تطل فيه العلمانية على الجزائر وذلك بحكم خبرتى سواء مع النخبة أو مع رجل الشارع. وأول خبرة كانت مع الفيلسوف العلمانى الجزائرى الراحل محمد أركون. وكانت فكرته المحورية أن ثمة سياجاً دوجماطيقياً مغلقاً قد اصطنعته الأصولية الجزائرية والذى كان من شأنه تحكم المطلق الأصولى فى كل ما هو دنيوى. ولم يتمكن الجزائريون العائدون من الغرب بعد عام 1979 من فتح ثغرة فى ذلك السياج إلا أنهم فشلوا لأن علماء الدين المستندين إلى فكر الفقيه ابن تيمية الذى يمنع إعمال العقل فى النص الدينى منعوهم من تلك المحاولة. ثم جاءت حركة الإخوان المسلمين وتحكمت فى ذلك السياج بفضل تحكمها فى رجل الشارع الذى لم يلتفت إليه هؤلاء المثقفون على نحو ما يرى أركون.
وفى 4 نوفمبر من عام 1978 كنت من بين المدعوين للمشاركة فى «مهرجان ابن رشد» بالجزائر. إلا أن دعوتى كانت ممتدة إلى ما بعد المهرجان بأسبوع لكى ألقى محاضرة فى الجامعة الجزائرية، وقد كان، إذ ألقيتها فى القاعة المخصصة فوجدتها تموج بالطلبة والطالبات، وكان عنوانها «شروط بزوغ ثقافة عربية عقلانية». وبعد خمس دقائق من بداية المحاضرة حدث شجار حاد بين الطلاب، الأمر الذى دفعنى إلى مغادرة القاعة بلا تردد. وكان من بين الحاضرين المسرحى الساخر الفريد فرج الذى كان فى حينها لاجئاً بالجزائر. قال معقباً على ما حدث: «أظن أن محاضرتك هى أقصر محاضرة فى تاريخ البشرية».
هذه هى خبرتى مع النخبة الجزائرية أما خبرتى مع رجل الشارع فقد اكتسبتها من سائق السيارة المخصصة لتنقلاتى، إذ قال: «العربى هو المسلم ومن المحال وجود عربى لا يكون مسلماً». وهى عبارة كافية للتدليل على قوة السياج الدوجماطيقى المغلق.
وفجأة قرأت خبراً مفاده أن السلطة الجزائرية طرحت فى 7 مايو من هذا العام اقتراحاً بتعديل الدستور وشكلت لجنة لصياغة الدستور برئاسة رجل القانون أحمد لعرابة الذى صرح قائلاً: «ما يليق بالجزائر دستور يتوجه إلى مواطنين وليس إلى مؤمنين». وفى مواجهة هذا التصريح الذى ينطوى على شبهة العلمانية قال جاب الله، رئيس الحزب الاسلامى «جبهة العدالة والتنمية» إن ذلك التصريح يكشف عن مدى الجهل بالإسلام. ومعنى المواطنة التى هى فى رأى العلمانيين مضادة للدين ومتعارضة معه لم يقل به علماء الدين لأن من شأن هذا الرأى العلمانى أن يكون بإمكانك أن تكون جزائرياً دون أن تكون عربياً أو مسلماً، ومن شأنه أيضاً أنه يفضى مع الوقت إلى أن يخلو الدستور الجديد من الموروث القيمى والتاريخى للجزائريين، ومن ثم يدخل الجزائريون فى أزمة هوية.
وإذا كانت الجزائر جزءا من المغرب العربى فمن اللازم أن يتأثر ذلك المغرب من الدعوة إلى العلمانية، وهو الأمر الذى يستلزم الدعوة إلى تغيير الدساتير. وإذا كان المغرب العربى على علاقة عضوية مع المشرق العربى يكون من اللازم أيضا أن تثار مسألة تعديل الدساتير بحيث تتناغم مع العلمانية البازغة فى الجزائر.
والسؤال إذن:
هل هذا التصور ممكن؟
الجواب عن هذا السؤال يستلزم حواراً قومياً فهل هذا الحوار ممكن؟
نقلا عن المصرى اليوم