سليمان شفيق
انتهت امس المرحلة الاولي من انتخابات مجلس الشيوخ الجديد ،وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي في 02-07-2020 اصدر قانون تنظيم مجلس الشيوخ الجديد رقم 141 لسنة 2020، والذي جاء إعمالاً للتعديلات الدستورية المستحدثة مؤخراً على أحكام دستور 2014 في 2019 . فقد استحدث المُشرع بموجب هذه التعديلات بابا جديدا مكونا من 7 مواد (المواد من 248 إلى 254) تضع القواعد الدستورية لعودة مجلس الشيوخ مرة أخرى إلى الحياة النيابية المصرية،
ولكن هناك اراء مختلفة حول ضرورة هذا المجلس وربما يعود ذلك الي ان الاجيال الجديدة لا تعرف تاريغ العمل التشريعي وفق غرفتين تشريعيتين او انهم يختلفون علي طريقة اختيار النواب وادارة العملية الانتخابية لذلك نستعرض في التقرير التالي تاريخ واهمية وعيوب المجلس .
تاريخ الحياة النيابية :
يعد البرلمان المصري أقدم مؤسسة تشريعية في الشرق الاوسط والتي بدأت منذ تولي محمد على الحكم وتكوين المجلس العالي عام 1824، ووضعه للائحة الأساسية للمجلس العالي في يناير 1825 المحددة لاختصاصاته، إلى أن جاء الخديوي إسماعيل في 1866م ليقوم بإنشاء أول برلمان نيابي تمثيلي بالمعنى الحقيقي وهو مجلس شورى النواب، وتطور ذلك عبر مراحل حتى إعلان دستور 1923، ذلك الدستور الذي مثل نقلة كبيرة على طريق إقامة الحياة النيابية السليمة في مصر، وقد تكون البرلمان في ظل ذلك الدستور من مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
مع تولي الرئيس محمد أنور السادات الحكم ، وفي سبتمبر 1971 صدر الدستور المصري الدائم ، والذي بدأت معه مرحلة جديدة من تاريخ مصر الحديث والمعاصر وفي ظله ثم الاستفتاء فى ابريل 1979، والذي بمقتضاه تم إنشاء مجلس الشورى، وعقد مجلس الشورى أولى جلساته في أول نوفمبر 1980، ومعه عادت فكرة وجود مجلسين تشريعيين في الحياة النيابية
نستعرض المحطات التاريخية الهامة التي مر بها مجلس الشيوخ (الشورى سابقا) منذ نشأته وحتى الآن:
المجلس العالي ... نواة النظام النيابي المصري:
في عام 1824 ، تم تكوين المجلس العالي الذي يعد البداية الحقيقية لاول مجلس نيابي يتم اختيار بعض اعضائه بالانتخاب ويراعي فيه تمثيل فئات الشعب المختلفة حيث تكون من 24 عضوا في البداية ثم صار عددهم 48 عضوا بعد اضافة 24 شيخا وعالماً إليه .
كان هذا المجلس يتكون من نظار الدواوين ورؤساء المصالح واثنين من العلماء يختارهما شيخ الأزهر واثنين من التجار يختارهما كبير التجار واثنين من ذوى المعرفة بالحسابات واثنين من الأعيان من كل مديرية ينتخبهما الأهالى وعين لرئاسة هذا المجلس «عبدى شكرى باشا» أحد خريجى البعثة العلمية الأولى وكان قد تلقى علم الإدارة والحقوق فى فرنسا، وكانت عضوية أعضاء المجلس النائبين عن التجار والعلماء والمديريات سنة واحدة، وكان ذلك بمثابة الخطوة الأولى لنظام حكومى لم تعرف البلاد مثله من قبل ولأن المجالس المتقدمة كانت مجالس حكومية تنفيذية تتألف من كبار الموظفين ولم تكن هيئات شعبية تمثل الشعب أو طبقات الأمة أو يمكن اعتبارها نواة لنظام نيابى أو شبه نيابى.
وفي يناير 1825 صدرت اللائحة الاساسية للمجلس العالي وحددت اخصاصاته بانها مناقشة مايراه أو يقترحه محمد علي فيما يتعلق بالسياسية الداخلية.
مجلس المشورة..... عهد محمد علي:
قام محمد علي في عام 1829 بإنشاء مجلس "المشورة" الذي يعد نواة مهمة لنظام الشوري في مصر وكان يتكون من (156) عضواً، منهم (33) عضوا من كبار الموظفين والعلماء ، و (24) من مأموري الاقاليم ، (99) عضوا من كبار اعيان القطر المصري يتم اختيارهم من خلال الانتخاب ، كان هذا المجلس يعقد مرة واحـدة في السنة.
اختص فقط في مسائل التعليم والإدارة والأشغال العمومية، وأيضا الشكايات التي كانت تقدم إليه لتقديم الحلول المناسبة لها.
مجلس شورى النواب ... أول برلمان يمتلك اختصاصات برلمانية
فى عام 1866 ، أنشأ الخديوي إسماعيل مجلس شورى النواب، ، وكان يتكون من (75) عضوا ينتخبون لمدة ثلاث سنوات، وكان يقوم بانتخابهم عمد البلاد ومشايخها في المديريات، وجماعة الأعيان في القاهرة والإسكندرية ودمياط.
تضمن مرسوم تكوين المجلس من اللائحة الأساسية واللائحة النظامية للمجلس، وشكلت اللائحتان في مضمونهما أول وثيقة نيابية لها شكل دستوري، اشتملت اللائحة الأساسية على ثماني عشرة مادة تتضمن نظام الانتخابات، والشروط القانونية الواجبة للياقة العضو المرشح، وفترات انعقاد المجلس، وصلاحياته في التداول في الشؤون الداخلية، ورفع نصائح إلى الخديوي. أما اللائحة النظامية، فركزت على نظام عمل المجلس، أو ما يسمى الآن اللائحة الداخلية.
استمر مجلس شورى النواب حوالي (13) سنة، انعقد المجلس خلالها في تسعة أدوار انعقاد على مدى ثلاث هيئات نيابية، في الفترة من 25 من نوفمبر سنة 1866 حتى 6 من يوليو سنة 1879. ورغم أن المجلس لم يحظ بسلطات كاملة في البداية، إلا أنه في سنة 1879م اكتملت سلطاته بإقرار مبدأ مسئولية الوزارة أمامه، ومع مرور الوقت اتسعت صلاحيات المجلس شيئاً فشيئاً، وبدأت تظهر نواة الاتجاهات المعارضة.
مجلس شورى القوانين ....عهد الخديوي توفيق:
فى عام 1883 ، أصدر الخديوي توفيق القانون النظامي، وبمقتضاه شكل مجلس شورى القوانين، وكان يتكون من (30) عضوا يقوم الخديوى بتعيين (14) من بينهم رئيس المجلس وأحد الوكيلين ، و 16 عضواً منتخباُ منهم الوكيل الثاني للمجلس ، كانت اختصاصات هذا المجلس تتلخص في حقه في أن يطلب من الحكومة تقديم مشروعات قوانين.
الجمعية التشريعية ... مشاركة الوزراء:
وفى عام 1913 تم إنشاء الجمعية التشريعية، وكانت تتكون من أعضاء بحكم مناصبهم، وهم النظار أى الوزراء، ثم من الأعضاء المنتخبين والمعينين، وكان عدد المنتخبين (66) عضواً، أما الأعضاء المعينون فكان عددهم (17) عضواً ، اي ان المجموع الكلي للاعضاء (82) عضوا.ً
كانت مدة العضوية ست سنوات، أما اختصاصات الجمعية التشريعية فكانت تتلخص في وجوب أخذ رأيها قبل إصدار أي قانون، مع عدم التقيد بالأخذ بهذا الرأي.
وتوقفت الحياة النيابية في مصر بسبب الحرب العالمية الأولى، وقد صدر الأمر بحل هذه الجمعية في الثامن والعشرين من أبريل عام1923 .
برلمان دستور 1932 ... المساواة بين المجلسين:
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى اندلعت الثورة المصرية فى عام 1919 مطالبة بالحرية والاستقلال لمصر ، وإقامة حياة نيابية وديمقراطية كاملة.
واستناداً إلى هذا الواقع الجديد ، تم وضع دستور جديد للبلاد صدر فى أبريل عام 1923 ، ووضعته لجنة مكونة من ثلاثين عضواً ، ضمت ممثلين للأحزاب السياسية ، والزعامات الشعبية ، وقادة الحركة الوطنية.
كما أخذ دستور عام 1923 بنظام المجلسين ، وهما : مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وبالنسبة لمجلس النواب نص الدستور على أن جميع أعضائه منتخبون ، ومدة عضوية المجلس خمس سنوات.
أما مجلس الشيوخ فكان ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين ، وكان الخمسان معينين . وأخذ الدستور بمبدأ المساواة فى الاختصاص بين المجلسين كأصل عام ، مع بعض الاستثناءات.
من دستور 1930 حتى دستور 1964 المؤقت
تم إلغاء دستور 1923 بصدور دستور 1930 في أكتوبر 1930 في عهد وزارة إسماعيل صدقى، إلا أن دستور 1930 لم يعمر طويلاً بسبب تزايد الضغط الشعبي ورفض مصر كلها له وللنظام السياسى الذي قام على أساسه، وقد حدد هذا الدستور عدد أعضاء مجلس الشيوخ بـ100 عضو يعين الملك ستين منهم وينتخب الأربعون الباقون.
صدر الأمر الملكى رقم 27 لسنة 1934 بإلغاء دستور 1930 وحل مجلسي البرلمان الذين قاما في ظله وطبقا لأحكامه، وإعادة العمل بدستور عام 1923
ثورة 1952 .. غياب مجلس الشوري:
كان من مبادىء ثورة 23 يوليو 1952 " أقامة حياة ديمقراطية سليمة " لذا قامت بالغاء الدستور السابق واعلان الجمهورية وحل الاحزاب
فى يناير ، 1956 أعلن دستور 1956 الجديد، وعلى أساس هذا الدستور شكل أول مجلس نيابى في ظل ثورة 23 يوليو وبدأ جلساته في 22 يوليو 1957، وقد أطلق عليه اسم "مجلس الأمة"، وتكون من 350 عضوا
واستمر هذا المجلس حتى العاشر من فبراير 1958، وعقب الوحدة مع سوريا صدر دستور مارس المؤقت، وشكل مجلس أمة مشترك مكون من 400 عضو مصري و200 عضو سوري، وعقد أول جلساته في 21 يوليو 1960، واستمر حتى 22 يونيو عام 1961.
وفى شهر مارس 1964 صدر دستور مؤقت، وفى ظله تم قيام مجلس أمة منتخب مكون من 350 عضواً، بالإضافة إلى عشرة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية.
تعديل دستور 1971 .... عودة مجلس الشورى
في 11 سبتمبر 1971 تم وضع الدستور الدائم ظل ساريا حتى الاعلان الدستور عام 2011 عقب ثورة 25 يناير 2011.
في 1980 تم انشاء مجلس الشوري ، وذلك بهدف توسيع دائرة المشاركة السياسية والديمقراطية حيث وافق الشعب في استفتاء عام على إنشاء مجلس الشورى وبناء على ذلك عدل الدستور ووافق الشعب على هذا التعديل في الاستفتاء الذي جرى يوم 22 مايو 1980 وأضيف بموجب هذا التعديل باب جديد إلى الدستور تضمن الفصل الأول منه بيان الأحكام الخاصة بهذا المجلس وكان أول اجتماع له في أول نوفمبر 1980
ثورة 25 يناير 2011 .... حل مجلس الشورى
واستمر المجلس طوال فترة مبارك حتى ثورة 25 يناير، تم حل مجلسي الشعب والشورى، وتعطيل دستور 1971، وتم إجراء انتخابات تشريعية جديده عام 2012
وبعد 30 يونيو2013، أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارا بحل مجلس الشورى وبقيت مصر بغرفة تشريعية واحدة هى مجلس النواب، وأثناء قيام لجنة الخمسين بكتابة الدستور، قررت اللجنة، إلغاء مجلس الشورى، لعدم أهميته وضرورة صلاحياته، في 5 يوليو 2013
أهمية مجلس الشيوخ:
تدعيم شرعية المؤسسات السياسية من خلال تمثيلية متنوعة ومتكاملة تضم ممثلي الجماعات، والنقابات وممثلي رجال الأعمال، والفاعلين الاقتصاديين على اختلاف مشاربهم، من حيث توسيع وتدعيم القاعدة الديمقراطية للدول، وتمثيل الوحدات الترابية المختلفة وإبراز التوجهات العامة للنشاط الاقتصادي والاجتماعي، الحد من هيمنة واندفاع الغرفة الأولى قصد مراقبتها والتحكم في توجهاتها، من حيث تليين النزاعات بين الغرفة الأولى والحكومة، وتليين الديناميكية الديمقراطية بالغرفة الأولى، وبناء بناء منظومة تمثيلية تؤمّن توازنا أفضل في ممارسة السلطة والمراقبة ونجاح الوظيفة التشريعية من حيث ضمان العمل لبرلمان هادئ ومتوازن.
إختصاصات المجلس:
مناقشة إقتراحات تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور
مناقشة مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية
إقرار معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة
مناقشة مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب
مناقشة ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشئون العربية أو الخارجية
عيوب البرلمان ذو الغرفتين
مبدأ السيادة للشعب لا يمكن تجزئته، وبالتالي لا يمكن تجزئة الشعب الواحد إلى مجلسين للتعبير عن رأيه الواحد وإرادته الواحدة، فإذا تم اختيار الشعب للمجلس التاني بالطريقة الديمقراطية لاختياره المجلس الأول، وهو مجلس النواب، فيكون ذلك تكرارا لا فائدة منه، أما إذا تم اختيار المجلس الثاني طبقا لقواعد مختلفة أخرى، فيكون الاختيار بهذه الطريقة أقل ديمقراطية من مجلس النواب، وبالتالي فإن هذه الطريقة الأخرى تضعف من مكانة المجلس الثاني
في مواجهة المجلس الأول
نظام البرلمان ذو الغرفتين، من الناحية العلمية، يؤدي إلى تصادم أحدهما مع الآخر، لاختلاف الطابع بينهما، ونلاحظ بأن مثل هذا التصادم لا يدوم طويلًا لأن استمراره واستقراره يلفت نظر الرأي العام، فينظم إلى أحد الطرفين ليرجح كفته ويحل النزاع