الكاتب والمفكر الإماراتي على محمد الشرفا الحمادى
قضية رسالة الإسلام للناس هي خطاب الله لخلقه كلَّف به رسوله ليبلّغه للناس وهو من البشر، وخاطبه الله تأكيدًا على هويته أنه إنسان من خلقه كلَّفه الله بمهمة محددة.
وقال سبحانه يخاطبه بأمره: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (الكهف : 110).
آية اختصرت دين الإسلام في جملتين فقط؛ العمل الصالح وعدم الشرك بالله، فهل بعد ذلك يحتاج إلى تفسير أو فتاوى أو توضيح؟
التوحيد و العمل الصالح
وتعني الجملتين؛ التوحيد بالله (لا إله إلا هو) و العمل الصالح الذي ينفع الناس ويمنع عنهم الضرر بكل أشكاله، واحترام حق الإنسان في الحياة والحرية وحق الاختيار للعقيدة التي تناسبه دون إكراه، وممارسة الرحمة والحكم بالعدل بين الناس وتحريم الظلم وتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع، حتى لا يبقى فقير يسأل ولا جائع ولا مريض يبحث عن الدواء ولا لاجئ ليس له مأوى، ولا مظلوم يطالب بحقه.
كل إنسان يرفق بأخيه الإنسان ويُحسن إليه ويتقرَّب كل الناس لبعضهم بالاحترام والمودة والسلام؛ مجتمع يعيش فيه كل الناس في أمن وتعاون على البر والتقوى تحت مظلة الرحمن.
تلك هي بعض عناصر رسالة الله للناس موجِّهًا آياته لهم؛ للعقل الذي كرَّم الله به الإنسان خلقه عن الدواب والحيوان، وهو يخاطب الناس سبحانه في أكثر من آية دعوتهم للتفكر والتدبر ليتبين لهم حقيقة آياته ومقاصدها لمنفعة الإنسان وما يعود عليه من خير وصلاح تحقق له حياة كريمة.
ثم بعد وفاة الرسول عليه السلام الإمام الأوحد والمعلم للإنسانية ورسول الله للناس، يدعوهم لتوظيف عقولهم لفهم دينهم فهمًا صحيحًا وصادقًا مستيقنين بوحدانية الله وعظمته ومصدقين بيوم القيامة ويوم يبعثون؛ مما يحمي الإنسان من الضلال في طريق الشيطان.وقد حذر الله سبحانه الناس رحمة لهم بقوله: «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة : 268).
الخطاب الإلهي يحذر من اتباع الشيطان
ذلك ما يدعو إليه الخطاب الإلهي وآياته الناس من مغفرة وفضل، ويحذرهم من مغبة اتّباع الشيطان لتدرك عقول الناس ما يحقق مصلحتهم.
فماذا كانت دعوة شيوخ الدين وأصحاب الروايات وناشروا الإسرائيليات للناس؟ دعوتهم تتناقض مع ما أمر الله سبحانه به الناس في الآية السابقة، وقد ألَّفوا آلاف الكتب المزورة على الرسول من روايات وأحاديث كاذبة تدعو الناس لطريق الشيطان، تشوه قيم القرآن وتسيئ لرسالة الإسلام وتشجع على الفحشاء والمنكر وتنشر خطاب الكراهية بين الناس، وتخدع المسلمين بقتلهم إخوانهم في الإسلام وتفجير إخوانهم من خلق الله في المجتمع دون ذنب.
يكفِّرون الناس ويستميلون النفوس المريضة والشريرة ليسعون في الأرض قتلًا وفسادًا. دعواهم تعكس قلوبًا لا تعرف الرحمة وضمائر ماتت وعقولًا استحوذ عليها الشيطان فأنساهم ذكر الله وتسلّطوا على خلقه ظلمًا وعدوانًا.
الخلاصة..
يحاور الله سبحانه عباده بالعقل والحُجة المنطقية، يمنحهم الحرية وحق الاختيار، بينما أهل الروايات وشيوخ الدين والمفسرين والواعظين والدعاة يخاطبون النفس الأمَّارة بالسوء، واستعدادها العاطفي باتّباع طريق الشيطان الذي ينتهي بهم إلى الخسران في الدنيا والآخرة.
وشتَّان بين ما يدعو إليه الله سبحانه في كتابه الحكيم من رحمة وعدل وحرية وإحسان وسلام وتحريم القتل والظلم والعدوان، وبين ما يدعو إليه شيوخ الدين من الروايات المنسوبة للرسول ظلمًا وبهتانًا، من تشجيع على طريق الشر وإقناع الناس بالظلم ونشر الفتن وجعلهم يعيشون حياة البؤس والضنك والدم.
فكيف تستقيم المعادلتين؟! إحداهما من خالق السماوات والأرض، والثانية من عباده الذين ضلّوا طريق الحق والصواب.
فأيهما نتبع قول الله وآياته التي بلَّغها الرسول عليه السلام للناس بعد تكليف الله له في قوله سبحانه: «كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ» (الأعراف : 2).
نقل الإسرائيليات وطغيان الروايات على الآيات
وأمره سبحانه للناس وتحذيرهم من اتّباع كتب غير ما ينطق به رسول الله من آيات الذكر الحكيم مخاطبًا الناس: «اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ» (الأعراف : 3).
فهل نتبع قول الله وأمره أم نتبع أقوال البشر من خلْقه الذين اتَّبعوا الشيطان في سعيه لتنفيذ وعده أمام ربه عند خلق الإنسان في قوله: «قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ» (ص: 82).
وتحذير الله للناس من الشيطان يقول سبحانه: «يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا» (النساء : 120).
كما قال سبحانه: «…وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (الأنعام : 43).
وهكذا زيَّن الشيطان للعلماء ومؤلفي الروايات وناقلي الإسرائيليات ليحققوا طغيان الروايات على الآيات ويخاطب الله سبحانه الرسول بقوله منذ أربعة عشر قرنًا وينبؤه بأن قومك سيهجرون القرآن عندما اتبعوا الشيطان وزين لهم أعمالهم حيث يقول سبحانه مؤكدًا ذلك النبأ: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا» (الفرقان : 30).
وذلك ما نعيشه اليوم؛ انصرف الناس عن ما بلَّغه لهم رسول الله من القرآن واتبعوا ما ألَّفه العلماء وشيوخ الدين من روايات الشيطان ويقضي الله بحكمه على الناس إمَّا جنة ونعيم وإمَّا نار وجحيم.