كتب - نعيم يوسف
ودعت مصر مساء أمس الخميس، الفنان الكبير سمير الإسكندراني، الذي لم يكن له دورا في مجال الفن فقط، بل أيضا خدم مصر بالعمل مع جهاز المخابرات، وأسقط عدة شبكات تجسس.
في 8 فبراير عام 1938، ومن حي الغورية العريق في قلب القاهرة، ولد سمير الإسكندراني، في أسرة مهتمة بالفن، وعلى الرغم من أن والده يعمل تاجرًا للأثاث، إلا أنه كان صديقا لكبار الشعراء والملحنين، مثل أحمد رامي، وبيرم التونسي، وزكريا أحمد، ومن هذه البيئة المفعمة بالإحساس والفن، خرج الطفل "سمير".
والده اهتم بتربيته وتعليمه منذ صغره، حتى وصل إلى كلية الفنون الجميلة، وحينها كان يوجد بها اللغة الإيطالية -قبل إلغاؤها- وبالتالي درسها سمير، وعندما ألغيت استمر في تعلمها، في مدرسة لتعليم الأجانب والمصريين.
اللغة الإيطالية كانت مفتاحا مهما في حياته، حيث دعاه المستشار الإيطالي في مصر لبعثة دراسية إلى إيطاليا، وكان عمره حينها نحو 20 عاما، وهناك ذهب لاستكمال دراسته بمدينة بيروجيا الإيطالية عام 1958 ودرس وعمل بالرسم والموسيقى وغنى في فناء الجامعة، كما بدأت من هذه الرحلة أيضا علاقته بعالم المخابرات، والذي كانت إيطاليا مثل عدة دول أوروبية مسرحا له في هذا الوقت.
"سمير" الشاب المصري المتفتح، الذي يجيد خمس لغات، ويحب الرقص والفن والغناء، جذب أنظار شابا يهوديا يدعى "سليم"، حيث تظاهر الأخير بأنه عربيا ليستطيع الإيقاع بالشاب المصري، لكن "سمير" شك في الأمر، واكتشف أنه يحمل جواز سفر أمريكي، فقرر قلب الطاولة وأن يصبح "سليم" هو الفريسة.
استطاع سمير أن يقنع "سليم" بأن جده الأكبر كان يهوديا، وهنا سقط "سليم" فريسة سهلة بين أنياب "الثعلب" المصري، حيث طلب منه العمل مع الموساد، والعودة إلى مصر لكي ينضم إلى الجيش المصري، ثم ينفذ ما يطلبه منه الموساد.
لم يكتف الشاب المصري بمرواغة وخداع نظيره الإسرائيلي، بل عاد وتوجه إلى المخابرات العامة المصرية، وأصر ألا يروي أي شيء إلا بعد لقاء الرئيس جمال عبدالناصر، وعندما التقاه حكا له كل شيء، وبدأ في العمل مع الصقور المصرية، الذين دربوه على طرق خداع الموساد، وبالفعل نفذ تعليمات المخابرات المصرية واستطاع إسقاط 6 شبكات تجسس.
العملية المدوية التي نفذها الثعلب الإسكندراني، أسفرت عن استقالة مدير المخابرات الإسرائيلية، كما كرمه وكافئه الرئيس جنال عبدالناصر بعد نجاح العملية، وزاره عدد من الكتاب مثل أنيس منصور، وكمال الملاَّخ، وفوميل لبيب وغيرهم طالبين منه سرد الأحداث لنشر قصته، ولكنه أبى وبقي متحفظا لمدة طويلة حتى صرح بالقصة كلها فيما بعد.
عمل سمير الإسكندراني، في مجال الفن رساما ومغنيا، وأدى كل اشكال الاغنية سواء العاطفى او الوطنى او الدينى كما ادى اغانى من التراث المصرى والعراقى وفق مدرسته الغنائية، ومن أهم أعماله: يا نخلتين في العلالي، Take me back to Cairo، والنيل الفضى، وحبك الآن وسأحبك غدا tamo e tamero، ونويت أسيبك، وقدك المياس، واه يا جميل يا اللى ناسيني، ويا رب بلدي وحبايبي، بناعهدك يا غاليه، وابن مصر، وفي حب مصر، ومين اللى قال، وقمر له ليالى، وقولوا لحبيبى، وطالعه من بيت أبوها، ويا نيل، ويا صلاه الزين، كما شارك في أوبريت الغاليه بلدى، واخترناه، وتسلم الأيادي.
رحل ثعلب المخابرات المصرية، مساء أمس الخميس، وشيع جثمان الفنان الراحل سمير الاسكندراني من ساحة مسجد السيدة نفيسة، وأدي صلاة الجنازة شقيقه الدكتور سامي الاسكندراني وابنتي الراحل نجوي ونيفين، كما شارك أيضا في أداء الصلاة كلا من الفنان هاني شاكر نقيب المهن الموسيقية والفنانة نادية مصطفي واعضاء النقابة.
وكشف الدكتور سامى الإسكندرانى شقيق الراحل، إن وصيته كانت تشييع جثمانه من مسجد السيدة نفيسة، وهذا هو سبب إقامتها بالمسجد رغم الاجراءات الاحترازية التى اقرتها رئاسة الوزراء لمنع تفشى فيروس كورونا المستجد.