بقلم : القس بيمن الطحاوى
بعد أن تعرضنا لبعض المفاهيم الخاطئة والزائفة للشخصية القوية، يبقى أن نقدم لكم قوة الشخصية من المنظار المسيحي، فالشخصية القوية مسيحياً هي التي يكون لديها هذه القدرات:-
1- القدرة علي السمو بالدوافع والغرائز الجسدية:
النعمة تعطي الإنسان أن يتجاوز أهوائه وشهواته، فهو يتعامل مع جسده كهيكل للروح القدس، وتحتاج هذه العملية إلي جهاد وسهر روحي، وهو يلجأ لله بالصلاة ليعطيه النصرة والغلبة، فوعد الله صادق "تَكفيكَ نِعمتي، لأن قُوتي في الضعفِ تُكمَلُ" ( 2 ‏كو 12 ‏: 9 ‏) لذا فحياة الطهارة والعفة من علامات قوة الشخصية، أما الانحلال والعبودية لشهوات الجسد فهي دلالة أكيدة علي ضعف الشخصية وانهيارها.، فشمشون الجبار الذي انتصر بالجسد علي كثيرين، كان ضعيفاً أمام الخطية، بينما يوسف البار كان قوياً أمام الإغراء.

2- القدرة علي أتضاع الفكر وطلب الحكمة:
الخطية الأولي في حياة الإنسان هي شهوة التأله والرغبة في المعرفة المستقلة عن الله، ولذا فالإنسان العنيد والذي لا يقبل الحوار ويريد أن يفرض فكره علي الآخرين، إنسان ضعيف الشخصية، بينما الإنسان الوديع الذي يقبل أن يحني رأسه للحق إنما هو القوي الشخصية "مُستَأسِرين كُلَ فِكرٍ إلي طاعَة المَسيحِ" ( 2 ‏كو 10 ‏: 5 ‏).، فالقوي القديس بولس الرسول لم يكن لديه مانع -بعد خدمة ناجحة- أن يذهب إلي أورشليم ليستشير الرسل ويعرض عليهم الإنجيل الذي يُكرز به بين الأمم "ثُمّ بَعدَ أربعَ عَشرة سنةً صَعِدتُ أيضا إلي أورشليم مع برنابا، آخِذاً معي تيطس أيضا. وإنما صَعِدتُ بِمُوجَبِ إعلانٍ، وعَرضتُ عليهم الإنجيل الذي أَكرِز به بين الأمم، ولكن بالانفراد علي المُعتبرينَ، لئَلا أكون أسعي أو قد سعيت بَاطلاً" (غل 2 ‏: 1 ‏، 2 ‏)، ‏كما إنه تراجع فيما بعد عن موقفه من القديس مرقس ووصفه بأنه "نافع للخدمة" (قارن أع 13 ‏: 13 ‏و 15 ‏: 36 ‏_ 40 ‏مع 2 ‏تي 4 ‏: 11 ).

3- القدرة علي المثابرة وتجاوز الفشل:
يقول الرسول بولس "لأن الله لم يُعطِنَا رُوح الفَشل، بَل رُوح القُوةِ والمَحبةِ والنُصحِ" ( 2تي 1‏: 7 ‏)، فالإنسان ذو الشخصية القوية لا ييأس بل يقول مع الرسول "أستطيعُ كل شئٍ في المًسيحِ الذي يُقويني" (في 4:13 ‏) فهو يتقوي بالنعمة ويشترك في احتمال المشقات كجندي صالح للمسيح، أنه لا يتحطم أمام ضعفاته بل يفتخر بنعمة الله التي تصلح عيوبه وتستر نقائصه، والقوي الشخصية لا يهرب من التحديات بل يواجهها وينتصر عليها، وتجده صامداً أمام المشاكل العويصة وأمام التهديدات والمتاعب والضيقات، وإن تعثر في الطريق لا يدخل في سجن اليأس، بل يقوم سريعاً قائلا: "لا تَشمَتي بي يَا عَدُوتي، إذا سَقطتُ أقُومُ" (ميخا7: 8 ‏) وهو دائماً يقاوم الكسل واللامبالاة والعطف الزائد علي الذات والتخوف من حمل المسئولية.

4- القدرة علي قبول النفس واحتمال الآخرين:
‏الشخصية القوية هي التي تقبل ما بداخلها دون تذمر، وهي التي تستطيع مواجهة ذاتها دون هرب (من الحقيقة الموجعة، من نقد بناء، من جلسة اعتراف تكشف النفس.. الخ)، وتقبل أيضا الآخرين رغم عيوبهم كما قبلنا المسيح رغم عيوبنا "اقبَلوا بَعضُكم ‏بَعضاً كما أن المَسِيحَ أيضا قبلنا، لِمَجدِ اللهِ" (رو 15 ‏: 7 ‏)، وقبول الآخرين رغم عيوبهم لا يُمارس بالكلام إنما بالحياة والمعاناة في مواقف الحياة العملية، انه بذل الذات والمحبة في صورتها العملية عندما تتأني وترفق، وتحتمل كل شيء، وتصبر علي كل شيء، ولا تطلب ما لنفسها ( 1 ‏كو 13 ‏: 4 ‏_ 8 ‏).
 
والخلاصة.. هي أن الشخصية القوية: هى شخصية متوازنة، وهذا التوازن هو محصلة تكامل العناصر التي ترسم ملامح الشخصية، وبالتالي تحدد مدي استقرارها وقوتها، وهي أيضا ثمرة عمل النعمة وجهاد المؤمن بمثابرة لا تعرف الكلل وعزيمة قوية.. إنها تتسم بوداعة دون ضعف أو جبن، تعفف دون وسوسة وتشكك، بساطة دون جهالة أو عناد، حيوية دون قلق أو اندفاع وارتجالية، مرح دون هزل أو استهتار، وقار دون غم أو تكلف، انتماء دون انغلاق أو تعصب، ضبط دون كبت، حرية دون انفلات، انفتاح مع القدرة علي التمييز بين الغث والسمين.، والقوى الشخصية إنسان يعرف ما يريد وأهدافه واضحة، فهو لا يسير كسفينة وسط البحر – دون ربان – تتقاذفها الأمواج وتذهب بها أينما توجهها الرياح، وهو يتحلى بالصبر والتفكير بإيجابية فى مواجهة مشاكل الحياة، ولا يتقازم أو يتلاشى أو يصبح بشكل أو بآخر غير موجود عند المشكلات الكبيرة وفى المواقف الهامة، فالبحار الماهر لا يُعرف إلا فى الأمواج والعواصف القوية.. ولكن تذكر عزيزي القارئ أننا بشر، وأن الخطأ والنقص من طبيعتنا البشرية الضعيفة، وإننا لا يمكن أن نكون كاملين تماماً من كل الجوانب طوال الوقت، ولكن هذا هو التحدي الجميل؛ أن نكون قاصرين وغير كاملين وأن نسعى فى نفس الوقت وعلى الدوام للتعرف على مواطن الضعف والنقص فينا ونعمل جاهدين على إصلاحها وعدم تكرارها.