بقلم : الدكتور مجدى شحاته
تعيش الكنيسة القبطية الارثوذكسية هذه الايام ، رحلة آبائية مباركة . يقودها قداسة البابا تاوضروس الثانى ، بابا المدينة العظمى الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، الى اورشاليم السمائية ، على خطى وتعاليم الآباء الاولين مؤكدا ان الكنيسة تحيا بكل الحق ، بنفس الروح الآبائية الراسخة السليمة . قداسة البابا يقود الكنيسة فى فترة قد تكون الأصعب فى تاريخها .
يسير فى طريقه برعاية سمائية رافعا شعار " المحبة لا تسقط ابدا " . لم يلتفت الى العثرات والمعوقات التى يضعها فى طريقة نفر لا يعرفون الحق ولا يقدرون المسؤولية .
وهب الله قداسة البابا سعة صدر ، وقدرة فائقة على استيعاب المختلفين معه فى الرأى ، او من يتهمونه باطلا . لم نسمع منذ ان تولى قداسته قيادة الكنيسة ، أنه استخدم سلطاته البابوية فى اقامة محاكمات كنسية أو ايقاف أو ابعاد أو اقصاء أو شلح أحد من الذين يبثون الشائعات ضده أو من يهاجمونه ويتهمونه ويشوهون صورته زورا وبهتانا على الملأ بلا أدنى خجل او حياء .
بل قال فى واحدة من تصريحات الصحفية : " كل من ينتقدونى أولادى ، وأتقبل الامر ، بل اراجع نفسى وأتراجع ان أخطأت ." وهنا لابد لنا من وقفة .. لما كان المجمع المقدس ( 128 مطرانا واسقفا ) والذى يرأسه قداسة البابا هو السلطة الكهنوتية العليا فى الكنيسة ، وتشمل سلطتة للأكليروس وكل الشعب .
عليه من تفعيل صلاحياته وسلطاته والتصدى لمن يتعدى حدود التعاليم والاخلاق المسيحية ، وتوقيع العقوبات الكنسية الرادعة . الامر ليس دعوة لتكميم الافواه . فكل فرد له كل الحق المطلق ان يعبر عن رأيه بكل حرية ، بكل احترام ، بدون تجريح ، بدون اهانة . قل رأيك وقدم شكواك للشخص المناسب ، فى الوقت المناسب ، وبالطريقة المناسبة . يتطاولون على قداسة البابا وهو رجل دولة قبل ان يكون بطريركا للكنيسة . يحدث ذلك على الملأ فى سائل الاعلام المختلفة وعلى صفحات التواصل الاجتماعى .
حذار العب بالنار ... الامر جد وخطير ... لم يعد يستهدف قداسة البابا وحدة ، انما تجاوز الحد بغرض شق الصف وتقسيم الكنيسة .
ان الكنيسة القبطية مؤسسة وطنية داخل الوطن ، وتشكل أحد الاعمدة الرئيسية فى الدولة ، والمساس بكيانها يؤثر تباعا على أمن الوطن واستقراره . فى وقت نحن فى أشد الحاجة للأمن والاستقرار والهدوء ، لتستكمل الدولة مسيرتها القوية والعظيمة فى طريق البناء والتنمية والنمو والتعمير .
استكمالا لمقال سابق ، السطور القليلة التالية ، تلخص بايجاز شديد ، بعض أهم الانجازات التى حققتها الكنيسة القبطية الارثوذكسية منذ تولى قداسة البابا المسؤولية . وذلك فى مجال التنظيم والادارة . منذ البداية .. كان الشاغل الاول لقداسة البابا ، هو ترتيب أروقة البيت الكنسى من الداخل ، ووضع أساس راسخ ومتين للاصلاح والتنظيم الادارى لأقدم وأعرق كنائس العالم .
ان ما تشهده الكنيسة من اصلاح ادارى تنظيمى ، ما هو الا خطوة فى مشوار طويل وشاق ، يحتاج لمزيد من الجهد والوقت . وكما يقال " رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة " . كانت نقطة البداية ، تطويرهيكل عمل الكنيسة ليتحول بشكل كامل لعمل مؤسسى جماعى ، لا يعتمد على الرأى الفردى والاهواء الشخصية . الامر الذى تطلب اجراء تغييرات ادارية واسعة النطاق دون احتكار . حيث تم وضع نظام ادارى كامل يشمل : المقر البابوى ، الايبارشيات بكنائسها ، الاسقفيات والاديرة ، هيئة الاوقاف ، المجالس الاكليريكية ، معاهد الدراسات القبطية . احداث تغييرات جوهرية فى المجمع المقدس ، وتجديد وتحديث منظومة المناصب الادارية ، حيث يتم تداول تولى المسؤوليات بالاتتخاب أو التعيين لسكرتارية المجمع المقدس ومقررى اللجان لمدة عامين بحد اقصى دورتين . تشكيل لجنة لوضع دستور ايمان الكنيسة القبطية . كذلك تكريس لجنة " الايمان والتعليم " المسؤولة عن مراجعة أى تعليم خاطئ تنشر سواء على الميديا أو المنابر . تعديل وتطوير لائحة 57 لأنتخاب البطريرك ، من حيث معايير اختيار المرشحين للبابوية ، كذلك تعديل لائحة شروط الناخبين .
وضع لائحة واضحة ومحايدة وعادلة لمحاكمة الكهنة ( التأديبات الكنسية ) ولا تترك الامور للأهواء والميول الشخصية . تعديل اسم وشكل ودور المجلس الملى والذى يمثل قناة الاتصال بين الكنيسة والدولة . الاهتمام وتعديل ملف الاحوال الشخصية ، الذى كان يترأسه نيافة الانبا بولا ، حيث كان المسؤول الوحيد للفصل وحل كافة مشاكل الاحوال الشخصية فى داخل مصر وخارجها لأكثر من 25 سنة . وقد تم تقسيم هذا الملف الى 6 مناطق اقليمية ، على ان تكون مدة رئاسة الاساقفة للمجلس بحد اقصى ثلاث سنوات فقط ، كذلك ضم مستشارين قانونيين وطبيبا نفسانى لكل مجلس يتم تغييرهم كل ثلاث سنوات . تعديل لائحة 38 الخاصة بالاحوال الشخصية ، مع التمسك والااتزام بالثوابت الايمانية للكنيسة . العمل على وجود نظام مالى عام موحد وواضح للكنيسة ومتابعة من المجلس الملى . الاهتمام بالملف الاعلامى والعمل على توحيد القنوات الفضائية لتلافى التكرار فى البرامج والافكار .
عمل خريطة مسكونية لكل العلاقات والحوارات مع الكنائس الاخرى . اصدار كتاب وثائقى للأديرة القبطية فى مصر وخارجها . فى حالة الاحتياجات الى استثناءات لقوانين كنسية والتقليد المقدس نتيجة احتياجات رعوية بكنائس المهجر ، يجب على الكاهن الرجوع الى اسقف ايبارشيته ويمكن للاسقف الرجوع الى البابا . الترتيب لعقد لقاء محبة يضم جميع بطاركة الكنائس الارثوذكسية عقد اجتماعات منفصلة لكل من أيبارشيات القاهرة وشمال الصعيد ، ثم اجتماع لأساقفة الاسكندرية والوجه البحرى واجتماع لأساقفة جنوب الصعيد .
والى لقاء آخر ان شاء الله ، ومع انجازات اخرى لقداسة البابا فى مجال التعليم الكنسى .