هاني صبري - المحامي
أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم ، مرسوما يقضي بتحويل متحف كاريه بمدينة إسطنبول الذي كان كنيسة إلي مسجد ، بعد 75 عاما على تحويله متحف، وبهذا القرار المستفز يعود من جديد بتحدٍ آخر لمفاهيم الثقافة والحضارة والسلام ، وذلك بعد شهر علي تحويل متحف "آيا صوفيا" الذي كان كنيسة وتحويله إلى مسجد.
ويواصل أردوغان استفزازاته لمشاعر المسيحيين في العالم، وأن ما يقوم به سيتسبّب في دعوة للفرقة بين الشرق والغرب، ولا ينسجم مع تقاليد الشراكة الإنسانية والتقارب والتعايش المشترك بين الشعوب والحضارات.
حيث يقضي المرسوم الذي دخل حيّز التنفيذ بتسليم المبنى الواقع في منطقة الفاتح بإسطنبول إلى رئاسة الشؤون الدينية وإعادة فتحه كمسجد، وكان المبنى كنيسة في زمن البيزنطيين شيد في القرن الرابع ويعرف باسم "كنيسة المخلص المقدس" في خورا وتعد من أقدم الأعمال التاريخية في اسطنبول، وبعد أكثر من 50 عاما من فتح القسطنطينية تم تحويل الكنيسة إلى مسجد، من قبل عتيق علي باشا أحد كبار وزراء السلطان بايزيد ، وأصبح يطلق عليه "مسجد عتيق" ، أو "مسجد كاريه"، خلال هذا التحول ، تم تغطية الفسيفساء واللوحات الجدارية علي جدران هذه الكنيسة القديمة بالجبس، لأن الإسلام يحظر الصور الرمزية.
وفي أغسطس من عام 1945 صدر قرار من الحكومة التركية، ومن مجلس الدولة التركي أعلي محكمة إدارية في البلاد بتحويل مسجد كاريه إلي متحف ومستودع.
ثم ساهمت مجموعة من مؤرخي الفنون الأميركيين في ترميم الفسيفساء الأصلية للكنيسة، وافتتحتها للعامة في 1958.
والأمر الذي يدعو للدهشة أن مجلس الدولة التركي نفس المحكمة التي أُصدرت حكمها أن كاريه متحف تعود وتصدر حكماً مغايراً في نوفمبر من عام 2019 بإلغاء حكمها الصادر عام 1945، مثلما حدث في آيا صوفيا وتحويلها إلي مسجد وهذا يدل علي أن الحكم سياسي وموجه، وكان بناء علي رغبة أردوغان وأن كافة السلطات التركية مركزه في يديه، ويحاول بمثل هذه التصرفات غير القانونية وغير المسئولة كسب مؤيدين له ، للتغطية علي فشله داخلياً وخارجياً، بعد تراجع شعبيته وتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية وارتفاع نسب البطالة، وانخفاض قيمة الليرة التركيَّة لمستويات غير مسبوقة.
في تقديري أن قرار أردوغان بتحويل متحف كاريه إلي مسجد إعتداء على الحريّة الدينيّة وخارج سياق العيش المشترك ، وفيه تجاهل للقيمة العالمية للتراث، ومناف للتاريخ، وغير قانوني لأنه ينتهك قرار اليونسكو الذي أعلن متحف كاريه موقعاً للتراث العالمي وهذا الأمر له طابع إلزامي، كما أن القرار مخالف لاتفاقية اليونسكو التي وقعت عليها تركيا عام ١٩٧٢م ومن ثم فهي ملزمة بالتقيد بها ، وفي حالة تغيير وضع المعلم الإثري يفترض مسبقاً صدور قرار من اللجنة الحكومية الدولية لليونسكو بذلك وهذا لم يحدث.
ونري أن غالبية الشعب التركي يُستقبل قرارات أردوغان في هذا الشأن ، بفتور وبعض اللامبالاة، ويعلموا جيداً دوافعه، وأنه يريد إحياء الخلافة العثمانية الذي يراود خياله المريض ، وإن من مثل هذه الأمور لن تزيد من شعبيته، ولا تؤثر بأي شكل من الأشكال على كيفية تصويتهم في الانتخابات الرئاسية (في حال جرت في المستقبل القريب). وسوف يتحرر الأتراك منه ومن نظامه الديكتاتوري، ولَم ولن يصبر العالم طويلاً علي تجاوزاته وأطماعه التوسعية وتهديداته للسلم والأمن الدوليين.
لذلك نطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات اقتصادية علي تركيا، لحين التراجع عن تلك القرارات الخاطئة، وإيقافه عن دعم الإرهاب، كما يجب التصدّي لأطماع أردوغان التوسعية في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط.