فى قاعة الاجتماعات الكبرى بقصر رأس التين، فى الإسكندرية، عقد الرئيس جمال عبد الناصر، اجتماعه مع العاهل الأردنى الملك حسين ثلاث ساعات متواصلة، بحسب محضر الاجتماع المنشور فى كتاب «من محاضر اجتماعات عبد الناصر العربية والدولية – 1967 -1970»، إعداد عبد المجيد فريد.
كان «فريد» يشغل منصب «الأمين العام لرئاسة الجمهورية من 1959 إلى 1970»، مما أتاح له حضور اجتماعات عبد الناصر وتدوينها بخط يده، مما مكنه فى كتابه من «تقديم عبد الناصر خالصا وصادقا تماما كما كان، وكما يجب أن يعرفه الناس»، وفقا لرأى الكاتب الكبير محمد عودة فى تقديمه للكتاب.
فى محضر الاجتماع نسمع جرس إنذار بتفجر الاقتتال الفلسطينى الأردنى المعروف تاريخيا باسم «أيلول الأسود»، وبدأ فى الأسبوع الأخير من سبتمبر 1970، واكتملت مأساة هذا الاقتتال بوفاة عبدالناصر يوم 28 سبتمبر 1970، كما كشف الاجتماع مخاوف من تأثير الأوضاع العربية سلبيا على القضية الفلسطينية والتى انتهت إلى ما نحن عليه الآن.
بدأ الاجتماع بترحيب عبد الناصر بالملك حسين، والثناء على موقف الأردن الذى دخل حرب 5 يونيو 1967، وتأكيده على أنه لم يكن يرغب فى إقحام الجيش الأردنى فى هذه الحرب، ورد حسين، بأنه فعل ذلك تلبية للواجب وما تمليه المسؤولية العربية عليه، وأضاف موجها كلامه لعبد الناصر: نحن فى الأردن نقدر زعامتك ومواقفك الوطنية التى تعبر عن شعور كل عربى أصيل تعبيرا صادقا.
يؤكد «فريد» أن الملك حسين أعطى إشارة برأسه إلى رئيس وزرائه عبدالمنعم الرفاعى ليتكلم، ويلقى ما لديه من أسئلة، ويستنتج «فريد» من الإشارة أنه كان هناك اتفاق مسبق بين الملك والرفاعى لفتح هذا الشكل من الحوار.. قال الرفاعى، إنهم فى الأردن يفتقرون إلى وضوح الرؤية بالنسبة للموقف السياسى فى الوقت الحاضر، ثم طرح أسئلته، حول ما إذا كان اتفاقا تم بين أمريكا وروسيا بخصوص الصراع مع إسرائيل، وهل هناك تصور لدى روسيا عن كيفية الحل؟ وقال الرفاعى، إنه من الملاحظ أن أمريكا وروسيا وحتى الدول الكبرى غير جادة فى طرح حل للمشكلة رغم مضى شهر على مبادرة «روجرز» «وزير الخارجية الأمريكية».
انطلق عبد الناصر فى إجاباته.. قال: الموضوع معقد كثيرا وليس سهل الحل، وأساس المشكلة أن هناك تفوقا عسكريا إسرائيليا فى نفس الوقت هناك تفكك عربى، فمثلا إذا حسبنا حجم وقوة جيوش الدول العربية نجد أنفسنا متفوقين على إسرائيل، ولكن نحن عدة جيوش، وعدة قيادات، بينما هم جيش واحد وقيادة واحدة، بالإضافة إلى أن هناك بيننا من يريد أن يتجاهل الاشتراك أوالمساهمة الإيجابية فى المعركة بحجة أن فلسطين من مسؤولية الفلسطينيين فقط، عامة خطتنا الاستراتيجية فى مصر الآن هى العمل على إزالة آثار العدوان، وتحرير الأرض العربية المحتلة مع عدم التنازل عن أى شبر منها بما فى ذلك القدس، كذلك تنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن فلسطين.
انتقل عبد الناصر إلى استعداد مصر للمعركة ضد إسرائيل، وقال: بالنسبة للإعداد العسكرى فإننا نعمل على بناء قواتنا المسلحة لتصل إلى مليون مقاتل، وفعلا ستصل قواتنا خلال شهر ديسمبر إلى ثلاثة أرباع مليون مقاتل، من هنا فإن عبور القناة وتحرير سيناء ليس هدفا وإنما واجب علينا.
وقال عن العمل السياسى: هاجمنى البعض فى تحركى السياسى الأخير متسائلين: كيف لنا أن نقبل وجود إسرائيل؟ علمًا بأن الجميع يدركون تمامًا أننا كعرب سبق وأن وافقنا على وجود إسرائيل فى اتفاقية 1949، وسبق أن قلت لكم، موجها حديثه للملك حسين، أن تذهب لأمريكا وترجو الرئيس جونسون أن يعيد الضفة الغربية، ولكن أمريكا تجاهلتكم لأن لديها ما هو أهم من ذلك، وهو رغبة حليفتها إسرائيل فى ضم أراضٍ عربية جديدة إليها.
ويضيف عبد الناصر: فى رأيى أن نجاح الحل السلمى مازال بعيدا، والأمريكان ناس كذابين، ولكن رغم ذلك قبلنا المبادأة السياسية الأخيرة، مبادرة روجرز، لسبب رئيسى، وهو أن نستكمل إعدادنا العسكرى، وأن ننتهى من التحضيرات اللازمة لخطتنا العسكرية، لأننا فى الآخر احنا سنحارب، وقد وافقت على هذه المبادأة «المبادرة» اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكى ثم اللجنة المركزية ثم المؤتمر القومى بعد حوار طويل وعن قناعة تامة.. طبعا ثقتى فى الولايات المتحدة ضعيفة، ولكن يحتمل ولو بنسبة نصف فى المائة أن تكون هناك لعبة دولية قد تؤثر على حل المشكلة لصالحنا.
وانتقل الحديث إلى قضايا أخرى.