محمود العلايلي
إن تعبير الدولة الصديقة هو تعبير دبلوماسى، يعنى بالأساس أنها دولة ليست عدوًّا، حيث يسرى هذا التعبير بين مصر ودولة مثل اليونان، تقيم معها مصر علاقات متينة هذه الأيام، ودولة مثل منغوليا- مع احترامى لا يكاد أغلب المصريين يعرفون مكانها وإن كانت لها سفارة فى مصر أم لا- وينطبق تعبير الدول الصديقة بين الولايات المتحدة واليابان، وبين ألمانيا وإنجلترا، بالرغم من المآسى وكم الضحايا الذين قتلوا جراء معارك الحرب العالمية الثانية بين الدول المذكورة، كما ينطبق هذا التعبير بين مصر وإنجلترا التى احتلت مصر لمدة 70 عاما وبين مصر وفرنسا التى غزت مصر فى أواخر القرن الثامن عشر وقصفت سواحلها فى خمسينيات القرن الماضى.
وتأتى أهمية هذه المقدمة المختصرة لبيان ما سنتناوله بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولتى الإمارات العربية ودولة إسرائيل، ومن سيتبع الإمارات من دول عربية أخرى مثل البحرين وعمان والسودان، والمؤكد أن هذا العلاقات تعد تصحيحا للشكل الغامض من خريطة العلاقات البينية فى المنطقة لتطفو هذه العلاقات مباشرة على السطح، وإن كانت تستلزم تنسيقًا بين الدول المُقدِمة على هذه الخطوة حتى تقوم كل منها بجنى أى مكسب للقضية الفلسطينية، كما صرح السيد عمرو موسى فى بيانه «بأن وقف الضم قد عولج فى اتفاق الإمارات، وأن عليهم إذا أقدموا على هذا الاعتراف أو التطبيع أن يكون المقابل مختلفا لصالح الفلسطينيين، ويحقق لهم مكاسب مضافة، ويؤدى إلى حل سلمى منصف».
الحقيقة الأخرى أن إقامة هذه العلاقات الرسمية المعلنة قد اكتسبت حتميتها، لسبب مذهبى تحول إلى تهديد سياسى وعسكرى، وهو تغلغل النفوذ الإيرانى الشيعى فى سوريا والعراق واليمن، وبالطبع حزب الله فى لبنان، وعليه كان من المهم تشكيل تحالف مضاد وإن لم يكن متحد الديانة، وإنما وحده الخطر الإيرانى، ولذلك علينا ألا ننظر إلى هذه الخطوات المتتالية على أنها ستقف عند العلاقات الدبلوماسية.
.. ولكنها تجاوزت ذلك لكونها تحالفات عسكرية، والمهم أن غالبية الدول العربية المنضمة بحكم تكوينها سيقف تعاونها مع إسرائيل عند نقطة درء الخطر، ولكن إسرائيل ستتخطى ذلك وتطوره لتقيم علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية مع كل مَن سيتحالف معها، والأهم أن إسرائيل، بحكم شكل مؤسساتها السياسية القائمة على الديمقراطية، ستقود هذا التحالف إلى الوجهة التى ترغب فيها، ليس بسبب عيب فيها، ولكن بقوة مؤسساتها من ناحية، وضعف مؤسسات الدول العربية أو عدم وجودها أصلا من ناحية أخرى.
إن إعادة تشكيل العلاقات تتطلب إعادة تشكيل لغة الخطاب السائدة، سواء كانت الناصرية العروبية بإلقاء إسرائيل فى البحر، أو بلغة الساداتيين بأن الفلسطينيين هم المستفيدون من إطالة أمد الصراع واستمراره، إلى لغة خطاب مسؤولة على قدر الحدث والتغير الجيوسياسى، وتجاوز الابتزاز العربى والداخلى بسبب علاقات مصر الرسمية بإسرائيل، بما يدفعنا للتعامل مع كل الملفات العالقة بشكل أكثر تقدما من الإطار المتحفظ الذى تتبعه الدبلوماسية المصرية- الإسرائيلية على مدى الأربعين سنة الماضية.
ومن خلال المقدمة التاريخية المذكورة، صار من المهم أن يوضع العداء فى إطاره التاريخى من ناحية، مع عدم إغفاله فى العلاقات المستقبلية فى سياق موضوعى من ناحية أخرى، حيث يحل التنافس والتعاون محل التوجس والعداء، مع وضع الفلسطينيين أمام مسؤوليتهم تجاه مواطنيهم بالكف عن لعب دول الكفيل أو الأب الروحى، فى إطار فهم أن العلاقات الرسمية الكاملة والمكشوفة تحتم على الدول التزامات أدبية لا تتوافر فى حالة العداء أو فى حالة العلاقات المستترة، وهو ما استفادت منه إسرائيل على مدى سنوات الصراع، بعدم وجود رادع أدبى، مما سمح لها بالتوسع المستمر والتمدد المتصل، وتبرير ذلك أمام شركائها الأوروبيين والأمريكيين بالتهديد العربى لكيان الدولة ذاتها.
نقلا عن المصري اليوم