سامح سامى
منذ 4 سنوات كنت من المتحمسين لمجانية تعليم الفنون، رافضا جدا لفكرة تحصيل مقابل مادي لصالح أي نشاط ثقافي. وأنا مستيقظ كنت بأحلم أن هناك ملايين سأحصل عليها لعمل ثقافي وفني مجاني. لكن وجدت أن هذا "وهم وفخ". وهم؛ لأن فكرة المجانية آثارها السلبية عديدة، إذ أن المجانية تخفي جدية المتعلم، وتعيق الفرز الحقيقي بين من يريد ويحاول التعلم وبين الإقبال الكبير على "أبو بلاش". وفخ؛ إذ تأتي طلبات كثيرة جدا على التعليم المجاني في الفنون والأنشطة الثقافية، معظمها مكتوب باستسهال بحجة أنها فرصة ببلاش "واسجل اسمي وخلاص"، مما يرهق الذي يفرز تلك الطلبات. لكن هل هذا معناه أن تكون التجارة بديلا للمجانية؟ بالطبع لا، ورغم أن التجارة ليس عيبا في حد ذاتها؛ لكن يغلفها الكثير من السطحية والجري وراء "كسب المال" دون تقديم منتج تعليمي وفني حقيقي. وهناك فرق كبير بين الاستثمار الرأسمالي وراء "ورش اليوم الواحد"، حتى لو امتدت لشهرين أو ثلاثة، وبين الورش الراسخة والفاعلة في الحركة الفنية، التي تمنح المشاركين فيها مواد تعليمية وسينمارات ومشاركات وتعليم يفوق كثيرا المبلغ الذي يدفعونه بغرض "جديتهم". تلك الورش تكتمل جديتها ومفهومها الواسع لتمكين الشباب والاتاحة عندما نراها في سياق وإطار مؤسسة تقدم الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية بدعم كبير، وفي أحيان أخرى كثيرة بالمجان، إذ أن غرضها ليس الربح والاستثمار التجاري.
أما "ورش اليوم الواحد" تحسب على المشارك كامل قيمة الورشة، بل تستهدف أيضا الربح، وهي ورش تشبه البخار يظهر قليلا ثم يضمحل إلا ما رحم ربي. لكن لا يجب إغفال ضرورة بعضها كرديف سريع يحتاجه الواقع الثقافي والفني بشدة؛ لأنه لا يتصور أبدا أن بلداً كمصر يتعدى فيها عدد السكان المائة مليون ولا يكون فيها سوى معهد واحد يتيم لدراسة السينما مثلا.
التعليم البديل لا يعني المجانية بالكامل. لكن يعني التفكير في بدائل مبدعة عما هو سائد. وهذا هو المهم التفكير في طرق أمام أي تحدي، بداية من محاولة التعليم إلى إنتاج منتج فني مرورا بتسويقه وعرضه. المهم أيضا أن الذي يطالب بالتعليم المجاني يسأل نفسه من أين تأتي الفلوس؟ وليشغل باله بالآخرين ولا يكون بطل من ورق ويقول كلام كبير عن التعليم المجاني والفن المستقل أو البديل. بدلا من البحث عن المجانية ابحث عن طرق لتمويل تعليمك سواء عن طريق المشاركة في "جمعية" الاختراع المصري العبقري أو بطرق أبواب المراكز الثقافية أو التعليمية اللي ممكن تمول تعليمك..
هناك خلل عند البعض في إدراك فهم مقولة "العمل مع المهمشين للتعبير عن واقعهم المجتمعي من خلال تمكين أفراده، وخاصة الأقل حظا في امتلاك أدوات التعبير أحلامهم و طموحاتهم واحتياجاتهم"، وبين التعريف السليم للمهمش وللدعم وللإتاحة وللتمكين.
والسؤال المحير دائما من هم المهمشون؟ هل هم الفقراء فقط؟ هناك يسكن في الزمالك مهمش ثقافيا وتعليميا