كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
في كل مرة نتابع صيحات الرئيس السيسي للإصلاح ، وآخرها بالأمس القريب لنزع فتيل الكراهية وتصويب المسارات الفكرية التي باتت تمثل عراقيل في الاتجاه المعاكس للتنمية وإقامة السلام الاجتماعي ، كثيرًا ما يسأل أهل الفكر والتفكير ومن يحلمون بأن يحط طائر التنوير المبهج المفرح على أرضنا الطيبة ليحيي من جديد الأمل في عودة زمن التحضر والتقدم .. يسألون من أين نبدأ ؟ ... هل البداية من تجاوز الفكر الأصولي المتشدد بسرعة والذهاب المباشر إلى الإصلاح الديني ، أم الذهاب إلى التنوير بتعاريفه وأيقوناته الفلسفية و متطلبات الاستدعاء و تفعيل عمليات الإحياء ؟
و هنا يبرز السؤال : لمن تكون مسئولية القيام بكل توجه ؟ .. قد يجمع البعض على أن نقد الفكر الأصولي والعمل على تطوير وإعمال آليات منظومات للإصلاح الديني مهمة ينبغي إسنادها لرجال دين ( مع التحقظ على ذلك المُسمى من جانب البعض كما هو معلوم ) بشرط أن يكونوا من بين أهل الاستنارة والفكر الحداثي ( والبعض يرفض ذلك التوجه ــ ولا يبالون بالمثل الشائع " لا يفل الحديد إلا الحديد " في تلك الحالة لأن الغالبية من رجال مجتمع تلك المؤسسات سترى في الأمر ( من وجهة نظرهم ) انهيار لبناء تاريخي تليد وضربه قد تزلزل الأرض من تحتهم ، وعلى مر التاريخ كانت هناك إرهاصات إصلاحية تم مقاومتها من قبلهم ومن قبل مؤسساتهم الدينية ( وحدوتة الكنيسة في أوروبا في الماضي القريب و رفص دعوات رموز الإصلاح للتغيير والتطوير منذ قرون معلومة ، ومعلوم تبعاتها ومراحل الصراع لا زالت حاضرة في الأذهان ) ..
أما عمليات التنوير وفق قناعات فلسفية فإن أمر التبشير بها و دعمها منوط أمر إلحاقها بأهل الثقافة والفكر العصري والحداثي وما يحملونه من رسائل إزاحة للكسل العقلي والوخم التقليدي ..
وفي واقع الأمر ، أرى أنه لا فكاك ولا أمل في حلحلة تلك الحالة المعقدة إلا بالبداية معًا .. هناك احتياج أزلي للمشروعية التقليدية المضمونة تلك الممهورة بخاتم علماء ورجال الدين تلتئم على إثرها الجماهير المحتشدة المصدقة المؤمنة بكل دعاواهم حيث عقليات التسليم باليقينيات التي يرون فيها أنهم وحدهم المحتكر الأعظم لمعارفها و إجادة واحتراف الإصلاح بطيب الكلم و طلاوة الحكي الروحي العقائدي..
منذ حقب قريبة ظل الكاتب والأديب " أمين الخولي " يُعلن أن هدفه في كتاب " المجددون في الإسلام " هو استخلاص ما في أقوال أولئك الأسلاف الأخيار وأفعالهم ، مما تفيد منه الحياة ، فتتجدد وتتطور وتبرأ من آفات أراء أو أضرار أفعال ، باقتدائها بأولئك الأعلام الذين اعترف لهم بحق التجديد ، ووفاء بهذا الهدف عقد في ختام الكتاب فصلاً ليجمع فيه متفرق معالم حيواتهم التجديدية ، فيزيد الوعي لها ، والانتباه إليها ، رجاء قرب الاستفادة منها . وكان التجديد الديني قضية أرقت " أمين الخولي " طيلة حياته ، حتى أنه عكف على دراسة الفكر الديني الأوروبي منذ كان في سفارتينا في روما وبرلين ، وقد أثمر هذا التفكير كتاب ( المجددون في الإسلام ) وعددًا من البحوث ، وكثيرًا من المقالات .
لقد آمن " الخولي " أن هناك من يزعم أن حكم الله عندها فقط ، وكلمة الإسلام حكرها وحماية الإسلام مهنتها ،وكان " الخولي " يرى أهمية :
التسامح الديني الرحب الأفق .
حرية الاعتقاد ، وحق الفهم الصحيح للدين .
فهم الدين على أنه إصلاح للحياة لا مجرد طقوس وأشكال .
الشعور بالوحدة الاجتماعية ، التي تجعل من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا ، ومن أحياها كمن أحيا الناس جميعًا .
معاني في معاملة الخاصة والمثقفين بسلامة صدر ونقاء روح .
سعة الأفق في تمثل دائرة المعرفة البشرية : بالقضاء على انعزال الثقافة الدينية عن المعارف الدنيوية ، والاشتغال بالعلوم الحيوية .
إجلال العلم وتقديمه على نوافل العبادة .
تصحيح منهج التفكير العلمي : بالإيمان بالعقل والتجربة .
الفدائية العلمية : بنكران الذات وتقدير متعتهم بالعلم لا بسمعتهم أو استفادتهم المادية .
النفور والتنفير من التقليد .
سلامة العلاقة بين الدين والحياة العاقلة وصحتها ووضوحها .