أحمد لاشين
ahmedlashin@hotmail.co.uk
سؤال بديهي تغيب أو غُيب عمداً عن ذهن كل مُروِّج لهذا المولد الرئاسي،ما هي صلاحيات رئيس مصر القادم؟!،ما هي حدوده التي يحددها الدستور!،بل أين الدستور من الأساس؟!،ذلك الكيان التشريعي الذي نادى به كل عاقل في مصر منذ انتفاضة يناير،ولكن لا أذن تسمع ولا بصيرة تدرك،ودائماً يبقى الحال على ما هو عليه حتى بيان عسكري آخر،يحمل مزيداً من الغموض والضبابية.والأدهى والأمر أن الانتخابات التشريعية نفسها كانت بغير دستور،مع الأمل أن يقوم البرلمان بوضع الدستور،ولكن وبمنتهى الاستهتار كان القسم على دستور غير موجود وعدم مخالفة شرع الله،وتُقام الجلسات وتنفض لتصفية الحسابات أحياناً أو لافتعال معارك عبثية بلا جدوى أو ضرورة في أكثر الأحيان.
سؤالي عن الدستور أو صلاحيات الرئيس القادم ليس تكراراً أو عبثاً،ولكن طالما قررنا كجموع شعبية لها حق التصويت وتحديد المصير،أن تمارس حقها الوجودي في اختيار رئيس جديد،فعلينا على الأقل أن ندرك حقيقة أننا نختار دون أن نعرف على أي أساس نختار،كمن يشتري السمك في الماء،فإما تأتي الرياح بما تشتهي السفن، فتكشف لنا الأقدار عن عالم سعيد يساوي ثمن الدماء المدفوعة طوال الشهور الماضية،وإما ندخل في سنوات من التيه،ولعنة لن تحل عنا إلا بدماء جديدة،وفصل جديد من التفتيت والانقسام.مصير وطن بأكمله يعتمد على صدفة،مجرد صدفة،فكيف سيتمكن السادة المرشحون من تنفيذ ما وعدوا به من عالم وردي ،عادل،نقي،طاهر..وكأننا قررنا أن ننتخب نبياً أو قديساً!،وهم لا يعرفون أي صلاحيات أو حدود للمنصب الذي يترشحون عليه!!،أليس هذا هو العبث بعينه.!
والسؤال الأهم من كل ما سبق،كيف قرر السادة الناخبون،اختيار مرشحهم وتفضيله عمن سواه!!..فكل البرامج الانتخابية المقدمة،تقدم خلاص الوطن على طبق من ذهب.إذاً لا برنامج مميز،ولا صلاحيات واضحة،فماذا تبقى من آليات الإختيار المنطقية والموضوعية!،فتكون النتيجة أن شعبنا العظيم قرر أن يختار رئيسه القادم بناءً على الهوى ،والشخصنة،وعبادة الفرد،وأوهام انتظار المخلص ،والأهم بحسابات الضد والمع ،فنحن أمام مولد وصاحبه غايب كما يقول المثل،ولابد من ضريح يلتف حوله الزائرون،حتى وإن كان فارغ المحتوى،وليس سوى أكذوبة إتفق المجموع على تصديقها.
والحق أقول لكم،نحن أمام ثلاثة مشاريع رئاسية لا رابع لهم،اعتماداً على الأشخاص وميولهم الفكرية والسياسية،وجميعهم يحتوي داخله آليات هدمه وتناقضه،أولهم المشروع الإسلامي،أو دولة الإسلام السياسي،وهي ممثلة في شخصين الدكتور محمد المرسي مرشح حزب الحرية والعدالة (الأخوان)،والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي رغم إعلانه الدائم أنه بعيد كل البعد عن تاريخه الأخواني وأصوله الجهادية،إلا أنه في النهاية اختار أن يغازل التيار السلفي بكل تشدده،ليضمن قوة تصويتية لا يستهان بها،حتى وإن تناقض ذلك بقوة مع تصريحاته الذي يرى فيها البعض أنها أميل للليبرالية والحرية ،والمدهش والمحير أن من يناقض ويحارب مشروع الأخوان المسلمين المتمثل في محمد مرسي خاصة من مدعي الليبرالية،يتوافق وبشدة مع أبو الفتوح ابن نفس المشروع وذات الجماعة!!.المهم أن مشروع الدولة الدينية أثبت فشله ليس فقط في تجلياته الحديثة كما في إيران أو محاولات السودان،أو الرداء الديني للمملكة السعودية،ولكن أيضاً في جذوره التاريخية،فتاريخ الخلافة الإسلامية لا يحمل داخله إلا مئات السنين من التقاتل والعصبية القبلية والمذهبية،إلا ما ندر،وهي سنوات تُعد على أصابع اليد الواحدة،ما عدا ذلك فهي قرون من الدماء.إذاً فمشروع الدولة الدينية لا يحمل أي مرجعية متزنة يُحتكم إليها سواء في التاريخ أو في المرحلة الآنية،وبالتالي الأمر برمته لا يتعدى مجرد مغازلات أخوانية للعقلية الشعبية المصرية،سواء في شخص مرسي أو أبو الفتوح.
المشروع الثاني،والذي يمثله الأستاذ حمدين صباحي،الذي إزدادت أسهمه في مدة وجيزة بعد حملة مكثفة لتجميل حمدين وتشويه منافسه الحقيقي أبو الفتوح،وهو المشروع الإشتراكي بتجلياته الناصرية،الغريب في الأمر أن مشروع ناصر والقومية العربية بكل ما فيه من مآسي وفشل يشهد به تاريخ المنطقة العربية بأكملها طوال ستين عاماً،وصولاً لنهاية العراق على يد صدام حسين،ومقتل القذافي ،وكلاهما من أبناء الحقبة الستينية الناصرية،وعلى الرغم من الارتباط الأكيد بين الناصرية والحكم العسكري الذي نعاني منه للآن،إلا أن الترويح لحمدين ومشروعه من قِبل مثقفي النكسة وضحايا القومية العربية،وشباب لا يرى أي بديل حقيقي، يتم تحت مظلة الحداثة والحرية والعدالة،ولا أدري هل الحقبة الناصرية بكل فيها من أزمات جديرة بكل هذا التجميل المفتعل!!.وهل مصر الآن في حاجة إلى إعادة استنساخ الناصرية بكل ما فيها من تشوهات!!،ولكن يبدو أن غياب أي مشروع سياسي حقيقي عن الساحة المصرية جعلها عرضة لإعادة إنتاج ما أُثبت فشله منذ عقود.
المشروع الثالث،وهذا هو الأوضح فشلاً،هو إعادة إنتاج النظام المباركي الفاسد،والمتمثل هنا في شخصي الفريق أحمد شفيق،والدبلوماسي عمرو موسى،فمجرد محاولة سيادة الفريق تحديداً أن يُقدم نفسه كمرشح يخلف مثله الأعلى مبارك،لهو دليل كامل على عبثية المشهد السياسي المصري بكل تفاصيله،والمفارقة الحقيقية أن مؤيدي هذا الإتجاه يسعون جاهدين إما للتخلص من ظلامية الأخوان والمشروع الإسلامي المنتظر،فيروجون للنظام البائد بوصفه الأمثل والأوجه متجسداً في شخص شفيق أو موسى،وإما يرون فيه الأمان القديم،والأب المفقود،غير مدركين أن الخلاص من ظلامية الإسلاميين،قد يؤدي بهم إلى ظلام الفساد الذي بلا نهاية أو قرار.
إذاً في النهاية نحن أمام ثلاثة مشاريع رئاسية يجسدها الأبرز بين مرشحي الرئاسة،قد تؤدي بمصر إلى غياهب جب الدولة الدينية أو الناصرية أو دولة الفساد،والأدهى أن كل هؤلاء المرشحين في الحقيقة،أبناء حقبة فساد واحدة،مهما اختلفت طريقة تعاملهم معه،فجميعهم ضحية نفس المرحلة،وكان الأجدر بنا جميعاً بعد كل تلك التضحيات التي بدأت منذ بداية يناير 2011 إلى الآن،أن نتعلم الدرس ونُخرج من رحم هذا الوطن زعيماً حقاً،أو على الأقل نكمل مسيرة بناء دولة مدنية حرة بنضال شعبي ونخبوي بتأسيس جملة من التشريعات تضمن لهذا الوطن الأمان تحت ظل أي رئيس قادم،لكن انتهى الدرس ونحن نُعيد إنتاج فرعون جديد.
والشارع المصري في عمومه ما زال يسعى إلى أمان مؤقت،واستقرار زائف لأوضاع مختلة،بشكل قد يؤدي به إلى اختيار النظام القديم بعد رفضه النسبي لدولة الأخوان نتيجة لفشلها في تجربة البرلمان،وكذلك لغياب أي مشروع نهضوي حقيقي،والحقيقة أني أرى أنه لن يحقق ما يتمناه الآن على الأقل،فمع ما ألاحظه من اتهامات بالتزوير بدأت قبل حتى بداية التصويت،التي يطلقها أنصار المرشحين إذا فاز منافسيهم،ومع غياب أي تأسيس تشريعي يحمي الرئيس القادم،ويحفظ للوطن أمنه وآمانه السياسي،ومع تنمر الأخوان،وصلف العسكر،وغليان الشارع،كل تلك العناصر مجتمعة قد تفضي إلى نتيجة كارثية ،سيعاني منها الوطن بأكمله.
خاصة ونحن تحت حكم عسكري،يسعى بدأب لتصفية كل التيارات السياسية بشكل منفصل،كما حكاية الثور الأبيض ورفاقه،ويحافظ بكل ما أوتي من سلطة ألا يمنح أي شرعية تشريعية أو قانونية أو دستورية إلا لذاته،لتظل أوراق اللعب بأكملها في يده،حتى بعد انتخاب رئيس جديد.مما قد يؤدي بنا إلى انقلاب عسكري إذا إنكشفت إحدى تلك الأوراق أمام بقية اللاعبين.
أعلم أن مقالي هذا قد يغضب مني البعض،وقد يُؤول بتطرف كالمعتاد،ولكن عبثية المشهد بكل ما فيه من تناقضات فجة،وصراعات وهمية سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي ،حالت بيني وبين أي مهادنة على مصير وطن بأكلمه.فالحل كان بين أيدينا منذ البداية،وبدلاً من خوض غمار حروب وهمية دموية أحياناً في الميادين طوال الأشهر الماضية،كان الأجدى بنا أن نتوحد لخلق تشريع جديد يليق بنا وبمصر.فلن أستطيع أن أمنح شرعية للرئيس القادم اعتماداً فقط على شرعية الصناديق،فوطننا أكبر من مجرد مولد لسيدي الرئيس.