عزة كامل
أخذنى الحنين وأنا أرتب مكتبتى إلى عالم الكاتبة والأديبة «أجاثا كريستى» تلك المبدعة التى تربعت على عرش روايات الجريمة طوال نصف قرن، دون مزاحمة من كتّاب آخرين، فكتابتها تتميز بدقة حبكتها، وترابط أحداثها، ومنطقية الأفكار وتسلسلها بطريقة مبهرة، واستخدام عناصر فنية مذهلة، ولغة متدفقة.
استطاعت كريستى دمج الخرافات بالحقائق والغموض فى خلطة سحرية واحدة، ترميك فى بحر متلاطم، أمواجه تقذف أشخاصا وأماكن وأبطالا وأحداثا وجرائم، وعندما يهدأ البحر ويرمى مافى جوفه، نصطدم بنهايات فاجعة، نهايات يعيشها القارئ ولاتفارقه، وربما كانت هذه هى الفلسفة التى تعتنقها وتتبناها «كريستى».
(الفجيعة أمر لابد منه)، تفعل ذلك بعد تقديم كم هائل من الحبكات والألغاز الغامضة فى البناء السردى أو فى الحوار أو رسم الشخصيات، ويستند تكنيكها إلى الخدعة والحيلة لإثارة فضول القارئ، وطاقة خياله المعطلة.
وتلعب مواقع الأحداث دورا جوهريا فى الإثارة والتشويق، ويذهلك مدى قدرتها على الغوص فى أعماق النفوس، محللة ما يزدحم فى أعماقها، وبما يشكل دوافعها بصيرة نافذة، هى كاتبة الجريمة الوحيدة التى ابتكرت اثنين من الشخصيات، وظلتا راسختين فى الذاكرة إلى الآن «هركيول بوارو» المحقق غريب الأطوار، بشاربه الضخم ومظهره الأنيق، يلفه الغموض ويمتاز بمكر شديد للغاية، وقدرة على الإلمام بكافة خيوط اللعبة أو الجريمة، وبمخيلة واسعة تساعده على كشف أسرار الجريمة، وعندما جعلته أجاثا يموت فى أحداث قصتها «الستارة» كانت الشخصية الخيالية الوحيدة فى التاريخ التى كتب عنها نعى فى صحيفة نيويورك تايمز.
أما الشخصية الثانية فهى «جين ماربل» امرأة عجوز وعانس، تقوم بدور متحرية، تعيش فى قرية خيالية، وتعتقد أنها تعرف كل شىء، وكان لبلاد الشرق نصيب فى كتابتها، وإذكاء خيالها الجامح، ففى شهر العسل مع زوجها الثانى مالون عالم الآثار المشهور، زارت سوريا، وسكنت فى فندق بارون بمدينة حلب، وكان آنذاك مقصد المشاهير من أوروبا، والقادمين على متن قطار الشرق إلى حلب، فكتبت قصتها الشهيرة «جريمة فى قطار الشرق»، وعندما زارت مصر كتبت روايتها: «موت على النيل» وفى الأقصر كتبت مسرحيتها «إخناتون» أما روايتها «الموعد الدامى»، فقد كتبتها عندما زارت القدس، وفى البتراء كتبت «لؤلؤة الشمس».
المذهل أنها اعتمدت فى اختلاق الشخصيات على خيالها الخصب، ولم تأخذ ذلك من سجلات الشرطة والمحاكم، أتمنى على كتاب السيناريو ومخرجى الأفلام فى مصر، قبل الشروع فى صناعة فيلم عن الجريمة، أن يتعلموا من «أجاثا» فنون الصنعة.
نقلا عن المصرى اليوم