سحر الجعارة
الآن تذكرت حصار الإخوان الإرهابية'> ميليشيات الإخوان الإرهابية للمحكمة الدستورية العليا، تذكرت الوقفة الصامتة واعتصام أعضاء النيابة العامة رفضاً لعزل المستشار «عبدالمجيد محمود»، النائب العام سابقاً، وتعيين نائب عام «ملاكى» للجماعة.. بينما جموع الشعب تحمى دار القضاء العالى من الهجوم الإخوانى.. تذكرت أسد 30 يونيو المستشار «أحمد الزند»، وزير العدل سابقاً، وموقف نادى القضاة من استيلاء الإخوان على السلطة.
هذه المشاهد غيرت تاريخ مصر، وأضف إليها مشاهد الفوضى والانفلات الأمنى بالتزامن مع ثورة 25 يناير، مشاهد اللجان الشعبية لحماية الأرواح والممتلكات، والصور القبيحة لذقون الضباط المنضمين للإخوان، ومحاولة أخونة الشرطة بضم طلبة كلية الحقوق من الجماعة الإرهابية لأكاديمية الشرطة!.
هذا ما أفهمه عن «السلطة القضائية والسلطة التنفيذية»، ما أفهمه عن مؤسسات الدولة.. أو بالأدق عن «هيبة الدولة»، فحين تأتى مستشارة بالنيابة الإدارية لتطيح بكل ما تحقق من استقرار لهذه المؤسسات خلال سبع سنوات، وبجرأة تتجاوز كل مشاهد الفتونة لتنزع رتبة الضابط الميرى من على أكتافه وتتفوه بألفاظ خارجة.. لا بد أن نثبت هذا المشهد ولا نتجاوزه بدعوى أنها «مريضة نفسياً» أو أنها تنتمى لأسرة قضائية.
إذا كانت المستشارة «نهى الإمام السيد محمد»، صاحبة فيديو مشاجرة محكمة مصر الجديدة، مستشارة بهيئة النيابة الإدارية بقسم المتابعة، «مريضة نفسياً» فعليها أن تلزم بيتها أو أن ترفع أسرتها القضائية دعوى لفرض الوصاية عليها باعتبارها «فاقدة الأهلية».. ربما نتجاوز ما صدر عنها من عنف وهذيان وهلاوس.
لقد انتحلت السيدة «نهى» صفة مستشار بالأمم المتحدة، بينما كانت تتعدى بالضرب على الضابط وتمزق ملابسه، ومن المعروف فى القانون الدولى أن عضوية الأمم المتحدة تكون للدول فقط.. وبعد تداول فيديو المشاجرة الغريبة على السوشيال ميديا أصدر مكتب «الأمم المتحدة» فى مصر بياناً عاجلاً أكد فيه الالتزام الكامل بقوانين جمهورية مصر العربية، واحترامهم لجميع أجهزة الدولة المصرية، كما أكد رفض الأمم المتحدة أى تجاوز يتم باسمها، مؤكداً أنه وبموجب ميثاق الأمم المتحدة لا توجد امتيازات أو حصانات تعفى موظفى الأمم المتحدة من مراعاة القوانين وأنظمة الدولة التى يوجدون فيها.. وفتح تحقيقاً فى الواقعة.. ليكشف كذبها.
أما إن كانت «سيدة المحكمة» تعتمد على سطوة أسرتها فسوف نصبح أمام كارثة بكل المقاييس، حالة التشاؤم التى تسيطر على رواد مواقع التواصل الاجتماعى تنبئ بأن الضابط قد يقع «تحت ضغوط ليتنازل».. وكأن العائلة القضائية لها أن تستغل نفوذها لتعيق العدالة وليس عليها تحقيقها!.
ما أعرفه أن القاضى لا بد أن تتوافر فيه شروط العدل والنزاهة والحياد والموضوعية، وأن يحتكم للقانون وحده بعيداً عن الأهواء الشخصية، لقد أساءت المستشارة «نهى» إلى ذكرى والدها الراحل الذى كان مستشاراً بهيئة النيابة الإدارية.. ودنست وشاح القضاة الذى كان وسيظل رمزاً للعدالة.
كنت أتمنى أن يصدر المستشار «حمادة الصاوى»، النائب العام، قراراً بإيقافها عن العمل لحين الانتهاء من التحقيقات، ليس ضماناً للحيادية فحسب، بل حتى لا يرتبط لقب «مستشارة» بصفة «متهمة».. لكن أثناء كتابة هذا المقال قال الإعلامى «أحمد موسى» إن المستشار «عمر مروان»، وزير العدل، صرح لبرنامج «على مسئوليتى» بأنه سيتخذ إجراءات إدارية تجاه عضوة النيابة الإدارية المعتدية على ضابط فى إحدى المحاكم بمصر الجديدة فيما يتعلق بمدى صلاحيتها للعمل فى ضوء «ظروفها الصحية».. والأحداث تتسارع خلال فترة طباعة هذا العدد من الجريدة.
على كل نحن نتحدث عن متهمة بالتعدى على أحد رجال الضبط بالقوة والعنف أثناء تأدية وظيفته وإهانته بالقول بمحكمة مصر الجديدة، وانتحال صفة مستشار بالأمم المتحدة، لمجرد أن الضابط نهاها عن تصوير المحكمة من الداخل وطالبها بارتداء الكمامة.. وهى أغرب وأسرع جريمة وقعت على بُعد متر من باب مدير النيابة، وتمت فى حضور جميع الشهود، والدليل كان حاضراً عن طريق الصوت الذى سمعه مدير النيابة أثناء المشادة، بالإضافة إلى الفيديو الذى تم تصويره ووثق الواقعة بتفاصيلها.. واستجوبت النيابة العامة المتهمة بعد أن ألقت القبض عليها لتوفر حالة من حالات التلبس فى حقها.. وكأنه مشهد سينمائى بالإيقاع السريع!.
ووفقاً للقانون لا يجوز تحريك الدعوى الجنائية ضد المستشارة نهى من النيابة العامة إلا بعد استئذان المجلس الأعلى للنيابة الإدارية، كونها عضوة بالهيئة.. وبالفعل كلف المستشار «عصام المنشاوى»، رئيس هيئة النيابة الإدارية، إدارة التفتيش القضائى بالتحقيق فى الواقعة.. لكننا نتمنى أيضاً أن يُمكَّن الضابط «وليد عسل» من تحريك الدعوى الجنائية ضدها إذا رغب.
مقدم الشرطة «وليد عسل»، وهو ضابط يعمل فى ترحيلات القاهرة بمحكمة مصر الجديدة.. كان يتمتع بثبات انفعالى راسخ.. وقدرة جبارة على ضبط النفس وهو يرد على ألفاظها البذيئة بكلمة «شكراً».. فقدم نموذجاً مختلفاً عن «الصورة الذهنية» المأخوذة عن ضباط الشرطة.. وليس هناك بديل عن محاكمة سيدة المحكمة لرد اعتباره.
الآن علينا أن نلخص المشهد بسرعة تماماً كما حدثت الواقعة: نحن أمام أكبر استفتاء جماهيرى على قدرة المجتمع على تحقيق العدالة فى مواجهة فرد أو أكثر يمكنهم استغلال نفوذهم.. نحن أمام زنزانة مفتوحة كالتى ابتلعت سيدة المطار «سهير النرش» لنثبت للشعب أننا كلنا أمام القانون سواء.. نحن فى مأزق حقيقى أمام أنفسنا!.
قضية «فتاة الفيرمونت» لن تلتهم اهتمام الرأى العام.. الناس سوف تنتظر المحاكمة لتعرف النتيجة لأنها ببساطة تلخص مصير أى مواطن يتعرض لاعتداء غاشم، فإما يجد فى القضاء خط الدفاع الأخير أو يتنازل عن كرامته، وينسى ما نردده عن حماية الموظف العام أثناء تأدية واجبه وما نتغنى به عن العدالة وعن «هيبة الدولة» إلى الأبد!.
نقلا عن الوطن