لواء دكتور/ سمير فرج
سبحان الله، منذ أكثر من ثلاثين عاما وتركيا تحاول بكل الطرق والوسائل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، وكان يؤيدها فى جهودها حليفها التقليدى ألمانيا، ولقد كانت هناك معارضة من باقى دول الاتحاد، وعلى رأسهم فرنسا، على أساس أن تركيا ستكون أكبر دولة إسلامية فى الاتحاد، علاوة على أن العمالة التركية الكثيفة رخيصة التكلفة، وهذا بالطبع سوف يؤثر على سوق العمل داخل دول الاتحاد، علاوة على تصرفات الحكومة التركية نحو مسألة حقوق الإنسان التى كانت أهم الأسباب لرفض الاتحاد الأوروبى، خصوصا بعد الانقلاب العسكرى التركى الأخير فى يوليو 2016 حين قام «أردوغان» بالبطش بالمواطنين الأتراك تحت ستر هذا الانقلاب حين قام بفصل 2700 من العاملين فى السلك القضائى وعدد 21 ألف معلم، وتوقيف عدد من عمداء الكليات، علاوة على طرد وسجن الآلاف من رجال القوات المسلحة التركية، واعتبر الاتحاد الأوروبى أن كل هذه الإجراءات معادية لحقوق الإنسان، لذلك أصدر الاتحاد قراره النهائى برفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى، رغم ما قدمته تركيا من تنازلات من قبل، مثل إلغاء عقوبة الإعدام لتتماشى مع قوانين الاتحاد الأوروبى، وكان من نتيجة ذلك نجاة «عبدالله أوجلان» زعيم حزب العمال «الكردستانى» BBK من تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقه ومازال مسجونًا حتى الآن فى السجون التركية.. وفى هذه الأيام، ومع ظهور البترول والغاز فى شرق المتوسط، وجدت تركيا أن جميع الدراسات الجيولوجية أكدت عدم وجود الغاز والبترول فى المياه الإقليمية أو الاقتصادية التركية، من هنا اتجهت تركيا نحو عمليات التنقيب أمام سوحل قبرص واليونان، كذلك قامت بالتوقيع على معاهدة ترسيم الحدود البحرية مع حكومة «فايز السراج» فى طرابلس بليبيا.
.. ورغم عدم قانونية هذا الاتفاق، لأن البرلمان الليبى لم يصدق على هذه الاتفاقية، إلا أن الضربة القاضية جاءت من اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان ليقضى على أمل تركيا فى التنقيب عن الغاز فى شرق المتوسط، ومن هنا جاء إصرار تركيا على استمرار التنقيب أمام سواحل قبرص واليونان.. ويرجع الخلاف فى هذه المنطقة لأكثر من 100 عام بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية «تركيا حاليًا»، ومن خلال معاهدة «لوزان» تم ترسيم حدود تركيا، التى فقدت من خلال هذه المعاهدة السيادة على العديد من الجزر التركية الواقعة فى بحر «إيجة»، حيث تم ضم هذه الجزر لصالح اليونان.. ومن يومها يتنازع الطرفان على الحدود البحرية فى هذه المنطقة.. لذلك مع تطور الأحداث، أعلنت اليونان عن مناورة بحرية فى المنطقة ببحر «إيجة»، بالاشتراك مع فرنسا وإيطاليا وقبرص، بعدها أعلنت تركيا عن تدريبات ومناورات بحرية فى المنطقة نفسها.. وفى يوم الجمعة الماضى وبعد اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى أعلن «جوزيب بوريل»، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد، أن الاتحاد يرغب فى إتاحة فرصة للحوار بين تركيا واليونان وقبرص لإنهاء هذه الأزمة وحذر « بوريل» أنقرة من التحرك بشكل أحادى فى المنطقة، وفى هذه الأثناء، قام وزير الخارجية الألمانى «هايكوماسى» بزيارة أثينا وأنقرة، وأعلن بعد هذه الزيارة أن ألمانيا لا تؤيد حل هذا النزاع عسكريا بعد لقاء مسؤولى البلدين، بينما أكد «جوزيب بوريل» احتمال فرض عقوبات جديدة على تركيا فى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى القادم، والتى من المنتظر أن تشمل تدابير اقتصادية واسعة النطاق ما لم يتم خفض التوتر بين تركيا من جهة، وقبرص واليونان من الجهة الأخرى، خاصة أن تركيا أعلنت أنها قررت مد أعمال المسح الزلزالى للسفينة «أوروتش رئيس» جنوب غرب قبرص والحرف القارى اليونانى، وفى زيادة لأعمال الاستفزاز أعلنت تركيا مد فترة المناورة البحرية فى المنطقة.
ويعلق المراقبون بأن تركيا تزيد من أعمال الاستفزاز رغم ما تعانيه حاليا من ظروف وأوضاع اقتصادية صعبة للغاية، فالانهيار الكبير الذى حدث لليرة التركية وزيادة معدل البطالة والتضخم، كل ذلك سيكون عقبة لها أمام تحدى قرارات الاتحاد الأوروبى..
وعلى هذا الأساس فإن الجميع ينتظر.. هل ستقبل تركيا تحدى الاتحاد الأوروبى الذى يقف بشدة مع اليونان وقبرص عضوى الاتحاد، حيث أعلن الرئيس الفرنسى «ماكرون» أن استراتيجية تركيا فى الفترة الماضية لم تكن استراتيجية دولة هى عضو فى حلف الناتو، وأضاف أن ما قامت به فرنسا أنها اتبعت سياسة الخط الأحمر بشأن السيادة فى البحر المتوسط، ولم يختلف النهج الألمانى عن الفرنسى، حيث دعت المستشارة «ميركل» مجددًا لبدء الحوار بين الأطراف الثلاثة، وأنه على الاتحاد الأوروبى النظر إلى حقوق اليونان وقبرص عمومًا؟!.. هذا ما ستؤكده الأيام القادمة، فالجميع لا يرغب فى الاتجاه للتصعيد العسكرى الذى سوف يؤثر على جميع دول المنطقة، خاصة فى منطقة البحر المتوسط.. وهل سيستمر العناد التركى أمام المجتمع الدولى؟.. هذا ما ستؤكده الأحداث فى الأيام القادمة.
نقلا عن المصرى اليوم