د. مينا ملاك عازر
المدققين في أفعال أردوغان، يدركون تماماً أنه يتبع نفس نهج بوتين في محاولاته قضم ما يستطيع أن يقضمه من كعكة شرق المتوسط الاقتصادية، لكن المتفهمين فيما يقوم به أردوغان يدركون تماماً أن ما يفعله يحدث بدعم روسي خفي بشكل ما، وإن لم يكن مدفوع من روسيا فهو على الأقل متكئ عليها، الأوربيون يفهمون هذا تماماً، ويعرفون أن كسر مخلب القط هذا أو اتقاء شره، لن يتم إلا بتقارب مع روسيا أو على الأقل التفاهم معها، لذا خرج بيان القمة الخمسة وسبعين لحلف الناتو لا يشير لروسيا الموجه لها الحلف من قريب أو من بعيد، بل توجه ضد الصين. الروس يمسكون بتلابيب أردوغان منذ أن انقذوه من الانقلاب عليه، ومنذ أن أركعوه بعد مقتل سفيرهم لديه، وإسقاطه طائرتهم الحربية، يومذاك أدرك أردوغان أن الروس هم الأقوى والأقرب لحدوده والأهم، ولذا هو يخشاهم تماماً، وإن لم يأتمر بأوامرهم فهو على الأقل يعرف أن أوامرهم نافذة، لذا هو وبرغم أنه ينفذ سياسة أمريكا في ليبيا ورغباتها، لكن إدراكه التام وانكفاء أمريكا على نفسها لانتخابات الرئاسة واقتصاد كورونا، فهو يقف مكتوف الأيدي برغم كل عمليات الاستعراض التي تجري بليبيا فهو يدرك أنه يحارب الروس وحلفائهم المصريين والإماراتيين والجيش الليبي يحمل سلاح روسي، وهو جرب من قبل مغبة الاقتراب من السلاح الروسي أو إيذاءه، ناهيك عن أن ثمة رجال روس يقاتلون تحت راية شركة فجنر الروسية.
هذا هو الوضع في ليبيا، أما اليونان فهو يعلم تماماً أن اقترابه منها سيفتح عليه أبواب جهنم من الفرنسيين والإيطاليين والألمان، وروسيا نفسها تعلم أن حركة رعناء منه قد تفتح باب الحرب العالمية أو على الأقل حرب إقليمية كبرى، لذا هي تتركه يضغط ليؤخر من عمليات التنقيب لأن غاز شرق المتوسط سيدفئ أوروبا، ويقلل من أهمية الغاز الروسي وبالرغم من أن اكتشافات غاز المتوسط تصب في مصلحة بعض حلفاءها كمصر مثلاً، لكن مصلحة روسيا نفسها لنفسها أهم قطعاً، ولو استطاعت تركيا أن تقتنص جزء من تلك الكعكة الغازية وربما النفطية فهذا سيصب في خانة اقتصاد تركيا الهزيل والذي يعاني الترنح بسبب كثرة المعارك التي دخل بها أردوغان ولم يخرج منها بطائل.
آخر القول، أن الأوربيين يدركون تماماً أن مفتاح تركيا بيد روسيا، وكبح جماح مدعي الخلافة الإسلامية أردوغان بقبضة قيصر روسيا الجديد فيلاديمير بوتين، فهل يتجهوا له لكي يطفئوا نار حرب لم تستعر للآن، ليجنبوا العالم مرارة حماقة أردوغانية لن يقفوا أمامها صامتين.
المختصر المفيد يبدو أنه حقاً الروس قادمون.
