يسعى جميع الآباء والأمهات إلى تربية أطفالهم التربية الصحيحة النافعة لهم في حياتهم، ويتوقون دائمًا إلى حسن تهيئتهم لمواجهة التحديات والصعاب في مستقبلهم. 
 
وفي رحلتهم لتحقيق ذلك، يلجأ الوالدان إلى العديد من الوسائل؛ فيقرأون عشرات الكتب عن التربية، ويستمعون إلى نصائح المختصين، أو الأقارب والأصدقاء. 
 
لكن في حالة تربية الطفل المنطوي قد يختلف الأمر قليلًا؛ إذ يحتاج الآباء إلى بذل المزيد من الجهد، لفهم طبيعة طفلهم المختلفة نسبيًا عن أقرانه، ومعرفة أفضل السبل لاكتشاف نقاط قوته واستغلالها الاستغلال الأمثل، ومن ثَمَّ تنشئته التنشئة السليمة. 
 
ما الفرق بين الطفل المنطوي والطفل الخجول؟ 
 
قد يخلط بعض الناس بين الطفل الهادئ المنطوي والطفل الخجول، لكن الحقيقة أن هناك اختلاف بينهما. 
 
فالطفل المنطوي هو طفل يجد راحته ومتعته في قضاء الوقت بمفرده، ويشعر بالاستنزاف النفسي والعاطفي إذا اضطر لقضاء وقت طويل بصحبة الآخرين. 
 
أما الطفل الخجول فهو يقضي الوقت وحده ويرفض المشاركة، ليس بالضرورة لأنه يحب ذلك، بل لأنه يخشى التعامل مع الآخرين، ويشعر أنه غير قادر على الاندماج. 
 
على سبيل المثال: إذا نظم معلم الفصل نشاطًا ما لتشجيع طلابه على الاندماج والمشاركة؛ سنجد أن الطفل المنطوي الذي فضل ألا يشارك، يجلس منفردًا ومستمتعًا بوقته، ربما يقرأ أو يرسم شيًئا يحبه. أما الطفل الخجول فهو راغب في المشاركة، لكنه خائف وعاجز عن ذلك. 
 
جدير بالذكر، أن الانطوائية ليست مرضًا أو اضطرابًا، إنما هي طبيعة شخصية، يولد بها الإنسان ولا تمثل أي عيب في شخصيته، بل يتمتع أصحابها بالكثير من المواهب والصفات الجيدة. 
 
صفات الطفل المنطوي
 
يمثل الأشخاص ذوو الشخصية الانطوائية نسبة من 30-50% من سكان العالم -وهي نسبة ليست قليلة على الإطلاق- ويتمتعون بالصفات التالية:
 
مستمعون جيدون.
يفضلون العزلة لتجديد نشاطهم واستعادة توازنهم.
يحتاجون إلى وقت للتفكير في الأسئلة المطروحة عليهم قبل الإجابة عنها. 
يفضلون عدم مشاركة مشاعرهم وأحاسيسهم مع الآخرين. 
لديهم وعي عالي وتفهم جيد لأنفسهم. 
يتعلمون جيدًا عن طريق الملاحظة.
هادئون بصفة عامة، وخصوصًا في التجمعات الكبيرة، التي لا يعرفون الكثير من حاضريها. 
لديهم قدرة كبيرة على التركيز. 
بارعون في اختيار الأنشطة المناسبة لهم بكل دقة. 
 
إذن…
 
ما الطريقة المثلى لتعامل الآباء والأمهات مع طفلهم المنطوي؟ 
 
يقلق بعض المربين من شخصية طفلهم الانطوائية، ويظنون أنها ستحرمه من الكثير من الفرص المجتمعية التي ستساعده على اكتساب الخبرات والمهارات اللازمة لبناء مستقبله، فيدفعون الطفل إلى المشاركة والاندماج رغمًا عنه، وهذا قد يؤدي إلى نتائج سلبية. 
 
لذا، كان ضروريًا توعية الآباء بالطريقة الصحيحة لتربية طفلهم المنطوي: 
 
أولًا: تفهم طبيعة طفلك الشخصية 
 
إذا فهم الآباء لماذا يتصرف الطفل المنطوي بهذا الشكل، سيخفف ذلك من العبء الواقع عليهم، ومن قلقهم المتواصل على طفلهم. 
 
على سبيل المثال: قد يقلق الوالدان من رغبة طفلهم في قضاء الوقت بمفرده، ويظنون أنه ربما يعاني من الاكتئاب. لكن إدراكهم أن هذه هي طبيعة طفلهم، وأن هذا هو سلوكه الدائم منذ أن وُلد، وليس أمرًا مستجدًا عليه، سيقلل من توترهم وخوفهم على طفلهم، وسيصبحون أكثر تقبلًا له. 
 
ثانيًا: احترم رغبات طفلك
 
بمجرد أن يدرك الآباء طبيعة طفلهم الانطوائية، سيتفهمون رغباته، وفي تلك الحالة يجب عليهم احترامها، وعدم دفعه لتغييرها أو ممارسة غيرها رغمًا عنه. 
 
على سبيل المثال: إذا وجدت أن طفلك يفضل أن يكون له صديق واحد أو اثنين فقط، فلا تضغط عليه ليكوّن المزيد من الصداقات -حتى وإن كنت ترى غيره من الأطفال لديهم أربعة أو خمسة أصدقاء-، ربما تعتقد أنك بهذا تنمي مهاراته الاجتماعية وتساعده على الاندماج، لكن الحقيقة أنك إذا فعلت هذا ستستنزفه نفسيًا وعاطفيًا، وتجعله غير مرتاح وغير قادر على التأقلم. 
 
لذا، احترم رغبة طفلك في عدم تكوين صداقات كثيرة، لأن هذا جزء من طبيعته التي لن تتغير. 
 
ثالثًا: تقبل طفلك
 
إذا كنت دائم القلق بشأن تصرفات طفلك، وأظهرت له ذلك، فربما يعتقد أنه يعاني من مشكلة ما، ويتكون لديه صراع داخلي بين طبيعته التي لن تتغير وبين ما تريده أنت. 
 
لذا، يجب عليك تقبل طفلك كما هو، وتفهم طبيعته واحتياجاته، ورؤية الجانب الإيجابي من شخصيته، بدلًا من محاولة تغيير ما لا يمكن تغييره.
 
لا تنس أيضًا أن الطفل المنطوي هو طفل حساس، وغالبًا ما يرفض مشاركة مشاعره وأحاسيسه. لذلك، قد يكون صعبًا عليك إدراك الصراع النفسي الذي ولدته بداخله. 
 
 
رابعًا، ادعم طفلك
 
برغم تفهمك لطبيعة طفلك، فالمحيطون به لن يكونوا دائمًا على نفس القدر من هذا التفهم، وقد لا يدرك بعضهم صفات ابنك الشخصية، ويتعامل معه على أنه يعاني من مشكلة ما. 
 
على سبيل المثال: عندما ينظم معلم طفلك في الفصل نشاطًا ما، ويجد ابنك غير متفاعل، ربما يظن أنه يعاني من الخجل وبحاجة إلى مساعدة نفسية. 
 
دورك في تلك الحالة أن تساعد المعلم في فهم طبيعة طفلك، وأن تبحثا سويًا عما يناسبه. لا تطلب من المعلم ألا يدمج طفلك في تلك الأنشطة لأن ذلك سيؤثر على نموه الاجتماعي، لكن يمكنكما البحث عن شيء ما يجعل طفلك مرتاحًا في المشاركة، مثل: تقليل عدد الأطفال في مجموعته، واختيار من يرتاح لهم ويشبهونه قليلًا. 
 
في النهاية، طفلك المنطوي هو طفل موهوب ومليء بالصفات الحسنة، وليس مطلوبًا منك سوى أن تتقبله وتتفهم طبيعته وتدعمه. إذا فعلت ذلك، فقد اجتزت نصف الطريق نحو تنشئته التنشئة الصالحة النافعة له. 
 
بقلم د. سارة شبل

المصادر: