محمد أبو الغار
الفيس بوك أصبح ظاهرة عالمية هامة لا يمكن إهمالها أو تفاديها، فهو مصدر للأخبار والحوادث، وناقل للثقافة والفن والتاريخ، وأداة سياسية فى يد مجموعات كبيرة من البشر. وصاحب الفكرة ومخترعها يعد من أكبر أغنياء العالم بسبب حجم الإعلانات. أهميته تختلف من بلد إلى أخرى. فى البلاد المتقدمة، فى أمريكا وأوروبا الغربية، ليس له هذه الأهمية الكبرى، فهو ليس مصدراً للأخبار، لأن الأخبار تذاع كل ثانية فور حدوثها على الفضائيات وفى الراديو وفى الصحف المنشورة والمقروءة على النت، وأهميته أكثر فى البيزنس.
أما فى بلاد العالم الثالث التى لا يشاهد أهلها نشرة الأخبار على التليفزيون الوطنى والتى انهارت فيها الصحف تماماً وأصبحت غير مقروءة، وكتب شهادة وفاتها وباء الكورونا، البعض يقرأ فقط مقالات الرأى أو الرياضة والفن على النت. الناس لا يقرأون الصحف لأنها متطابقة وليس بها شىء يهم القارئ، والأخبار الهامة موجودة على وسائل التواصل الاجتماعى، وغير موجودة فى الصحف التى أفلست، ولولا المليارات التى تضخها ميزانيات الدول لأقفلت أبوابها منذ زمن طويل.
فى دول العالم الثالث هناك جمهور كبير يشاهد قنوات تذيع برامج ترفيهية أو قنوات من دول سياستها معادية لدولته. ال
فيس بوك يختلف ويتميز عن التليفزيون بأن المواطن يكتب وينشر ويشارك بنفسه ويشعر بأهميته وأنه عضو فاعل فى صياغة الأخبار أو نشرها، وهذا يعطيه شعور بقيمته. وكثير من النشطاء على ال
فيس بوك عندهم مواهب رائعة فى الكتابة والبعض عندهم معلومات عامة ثقافية وتاريخية وفنية متميزة.
ولأن ال
فيس بوك سوق مفتوحة للجميع، فهناك معلومات صادقة ومعلومات كاذبة بعضها عن جهل وبعضها عن عمد، وبالتالى فإن مصداقية الخبر على
فيس بوك لابد أن يتم التأكد منها من أكثر من مصدر مختلف. أى خبر هام أو غير هام لا تريد أى دولة فى العالم الثالث إذاعته تجده بعد ثوان من حدوثه على صفحات
فيس بوك مضخماً مكبراً، بينما لو تركت الأنظمة هذا الخبر للنشر فى وسائل الإعلام كان سيتخذ حجماً يتناسب مع أهميته. صحيح أن إدارة
فيس بوك عندها متابعة لحذف أى تطاول أو استخدام ألفاظ أو صور خارجة، ولكن ذلك من الناحية الفعلية لا يتم دائماً، وهناك اختلافات فى التقدير. أى معلومة تنشر فى الصحف العالمية تجد من يضعها على
فيس بوك فى ثوان، وبالتالى هو مرآة لما يحدث فى الدنيا.
ال
فيس بوك يعطى القارئ صورة غير حقيقية عن موقف الأغلبية تجاه القضايا المثارة. فأنت تختار أصدقاءك وغالباً ما تكون أفكارهم مماثلة لأفكارك وحين تقرأ آراء الأصدقاء والمتابعين قد تعتقد أن الشعب كله يؤمن بآرائك وأفكارك. والحقيقة أن ردود الأفعال هى مرآة لأفكارك وربما تكون مجموعتك أقلية صغيرة فى المجتمع.
من خاصية ال
فيس بوك أنه يمكنك أن تشطب أحد الأصدقاء وتمنعه من التواصل معك ويعتبر البعض أن ذلك إهانة، ولكن الواقع أنك إذا أردت أن تستمع إلى رأى مخالف لمجموعتك المتشابهة التى اخترتها بنفسك يجب أن تترك الفرصة للرأى الآخر بعيداً عمن يرددون ألفاظًا قبيحة وخارجة.
هناك ما يسمى بالكتائب الإلكترونية، وهى مجموعة موجودة على ال
فيس بوك فى اتجاه معين، يكون فى الأغلب الهجوم على شخصية محددة أو على بوست بعينه، أو يكون مدحا فى زعيم أو وزير أو شخصية عامة. هذه الكتائب قد تكون محترفة وموظفة من إحدى الجهات الأمنية فى دولة ما وتتقاضى أجراً عن رصد البوستات المعارضة والهجوم المنظم على فكرة أو شخصية. هذا النوع من الكتائب فقد أهميته، لأنه أصبح مكشوفاً للغاية ويؤدى إلى تأثير عكسى بهجوم مضاد من أعداد غفيرة غير منظمة، وهناك كتائب تعمل لحساب فكرة أو حزب معين وإحدى الأمثلة كتائب جماعة الإخوان المسلمين. وهناك كتائب من دول معادية تهاجم نظام الحكم فى دولة ما بالحقائق والأكاذيب ولا مانع من بعض الشتائم.
والأمر التالى هو إدمان ال
فيس بوك. فهذا الاختراع يغرى بالتواصل معه ساعات طويلة قد تصل إلى حالة الإدمان، بحيث يكون وقت الفراغ كله مخصص لل
فيس بوك، وربما فى وسط العمل يستقطع المدمن وقتاً كثيراً لمتابعته. بالتأكيد الحياة ليست
فيس بوك فقط، وهناك أمور كثيرة رياضية وثقافية وفنية واجتماعية نحتاجها لملء أوقات الفراغ ونشعر أثناءها بسعادة مختلفة عن سعادة متابعة
فيس بوك وتكون أكثر عمقاً.
الأمر ليس سهلاً لأن إغراء ال
فيس بوك كبير، وهو أحياناً كثيرة يشبه حب الإنسان للنميمة والتصنت على الغير أو معرفة أسرار الآخرين.
على كل اللامعين والنابهين والذين يكتبون بوستات رائعة يعجب بها الآلاف أن يأخذوا حذرهم، لأنهم جميعاً عندهم قدرات متميزة ويجب ألا تضيع فى ساعات طويلة على
فيس بوك. ولكن هناك أشياء هامة وقضايا جوهرية لا يوجد مكان ولا ناس تدافع عنها خارج ال
فيس بوك، فهنا توجد ساحة هامة للدفاع عن الحق وعن المظلوم وعن الإنسان حتى يستمر إنساناً.
إذا عرفنا أن عدد المصريين المتصلين بالإنترنت هو 45.2 مليون، وأن عدد الموجودين على قائمة ال
فيس بوك فى مصر هو 35 مليون، منهم 22 مليون ذكر و13 مليون أنثى فيجب أن تعرف أن ال
فيس بوك يفوق آلاف المرات أهمية الفضائيات والصحف، وأى محاولة من أى حكومة فى حجب معلومة أو خبر عن الإعلام، فلتعلم أن الخبر الذى منعته منشور بالفعل على كل وسائل التواصل.
التكنولوجيا الحديثة للمعلومات ليس لها سقف وفى غضون سنوات وربما شهور سوف تكتشف وسائل وطرقًا جديدة لنقل المعلومة لا يمكن منعها وهذا جزء هام من تقدم البشرية.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك
نقلا عن المصرى اليوم