كتب – محرر الاقباط متحدون ر.ص
اصدر المتحدث الرسمي للروم الأرثوذكس في مصر، الأنبا نيقولا أنطونيو، بيانا بمناسبة عيد الصليب المكرم المُحيّي، جاء نصه كالأتي :
بعد أن أمسك اليهود يسوع مضوا به إلى أمام قيافا رئيس الكهنة والكتبة والشيوخ، الذين كانوا يطلبون أن يقتلوه، كانت تهمة المجمع له دينية "أَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللهِ". أما بعد أن ساق ورؤساء الكهنة والشيوخ يسوع أمام بيلاطس، السلطة الرومانية، فكانت تهمة هؤلاء عليه سياسية "أنه يقول عن نفسه ملك اليهود، وهم ليس لهم ملك إلا قيصر"، وإن كانت هذه التهمة لا تخلوا من الحقيقة، أن يسوع المسيح ملك اليهود.
سبب هذا الاختلاف في إتهام يسوع أمام بيلاطس من رؤساء الكهنة والشيوخ؛ لأن الخلافات الدينية والخلافات حول الشريعة بين اليهودية كانت لا تهم السلطة الرومانية ولا تتدخل في الحكم فيها. لذا نقل رؤساء الكهنة اليهود إتهامهم ليسوع أمام الوالي الروماني من الساحة الدينية إلى الساحة السياسية.
عندما لم يجد بيلاطس حجة على يسوع أراد تحقير اليهود فكتب على صليب يسوع المسيح عبارة "يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ"، باللغة العبرية لغة اليهود والشريعة الموسوية، وباللغة اليونانية لغة شعوب الإمبراطورية الرومانية، وباللغة اللاتينية لغة القانون الروماني.
إن ما كتبه بيلاطس بهذه اللغات الثلاث العبرية واليونانية واللاتينية على صليب يسوع المسيح، وإن كان تحقير لليهود، كان بإلهام إلهي. ليكون صليب يسوع المسيح حاملاً طابعًا مسكونيًا يحمل الخلاص للعالم، ورمز لمسكونية كنيسة المسيح وعدم انحصارها في العالم اليهودي.
هذا الإلهام الإلهي تحقق وأصبح صليب يسوع المسيح عالميًا كرمز للكنيسة التي أصبحت كنيسة عالمية مقابل الحضارة اليونانية المسكونية. وأخذت الكنيسة تتطور تدريجيًا وسط العالم الروماني اليوناني تحمل أعمق المعاني عن الديانة الجديدة. وأصبحت المسيحية تعني ما تعنيه اليوم كلمة "جامعة"، لا فرق بين أبيض أو أسود أو حر أو عبد أو يوناني أو إسكيتي. واستُعمل الاسم "مسيح" أكثر من الاسم "يسوع"، وأصبحت الكنيسة تحمل اسم "كنيسة المسيح". هذا الاسم "مسيح" غيَّر طابع المسيحية من طابع محصور في شعب معين أو جماعة معينة إلى طابع مسكوني.
كما أن عبارة "تلاميذ المسيح" تحمل طابعًا مسكونيًا، لأنها في تركيبها تشمل اللغات الثلاث العبرية واليونانية واللاتينية وهي مرادفة للعنوان الذي كُتب على الصليب باللغات الثلاث العبرية واليونانية واللاتينية كرمز لمسكونية ديانة يسوع الناصري. فقد كان اليهود يُسمون المسيحيين بـ"الناصريين"، بينما كان المسيحيون يستعملون فيما بينهم كلمة "التلاميذ" و"الأخوة" و"المؤمنين" تعبيرًا عن أعمق معاني المسيحية ومسكونيتها، ومسكونية الكنيسة وطابعها المسكوني.
فتميزت كنيسة المسيح عن اليهودية بمسكونيتها لتنطلق نهائيًا إلى محيط الحضارة الرومانية اليونانية وتطبع العالم بطابعها الخاص.
عن مسكونية الصليب ومسكونية الكنيسة ترتل كنيستنا الأرثوذكسية يوم عيد الصليب المكرم المُحيّي: "الصليب حافظ كل المسكونة، الصليب جمال الكنيسة، الصليب عزة المؤمنين"، "إن الصليب بارتفاعه يدعو الخليقة جميعها"، "اليوم الخليقة بأسرها تُعتق من الفساد لأنه بالصليب قد أشرقت لنا المواهب جميعها"، " يا صليب المسيح رجاء المسيحيين، وصيانة المسكونة"، "اليوم الصليب يُرفع والعالم يتقدس"، " اليوم العالم المربع الجهات يتقدس برفع صليبك المربع الأطراف أيها المسيح إلهُنا".
في كنيستنا الأرثوذكسية، في الكنيسة وصليب التبريك الذي يحمله الإكليروس وكذلك الصلبان ذات الطابع الأرثوذكسي في منازلنا، دائمًا يكون على الصليب الإختصار للعبارة اللاتينية التي كتبها بيلاطس على صليب يسوع المسيح " Iesus Nazarenus Rex Iudaeorum"، التي ترجمتها العربية "يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ"، وهذا الاختصار هو I N R I. وذلك تمييزًا لصليب يسوع المسيح عن أي صليب آخر. ففي وقت صلب يسوع المسيح صُلب أيضًا معه لصان كما صُلب قبلهما وبعدهما كثير من المجرمين والثوار الذين قاموا ضد الدولة الرومانية؛ لأن الصلب، التعليق على الصليب، كان من أدوات الحكم بالإعدام عند الرومان.
الصور للصليب في كنيستنا الأرثوذكسية الذي يكون عليه إختصار العبارة اللاتينية التي كتبها بيلاطس على صليب يسوع المسيح.