كتب – محرر الأقباط متحدون أ. م
حسمتمصرية '> دار الإفتاء المصرية الجدل الدائر حول مسألة "التجارب السريرية" بإجراء تجارب طبية على جسد الإنسان، وأكدت في فتوى جديدة لها، أن اختبار الدواء على جَسَد الإنسان هو ما يطلق عليه: «التجارب السريرية»، والتي تعرفها منظمة الصحة العالمية بـ «التقييم الفعلي لفَرْض طبي - دوائي أو جراحي- جديد»، وهذا جزء من المفهوم الشامل للتجارب الطبية، التي تعني: الانحراف عن الأصول الطبية المتعارف عليها لجمع معطيات علمية أو فنية، أو اكتساب معارف طبية جديدة بهدف تطوير العلوم الطبية والبيولوجية والحيوية.
وأوضحت دار الإفتاء في فتواها أن هذه الاختبارات الطبية في مجملها تتماشى مع حَثِّ الشرع الشريف على التداوي من الأمراض وإرشادِه إلى البحث عن العلاج؛ فقد روى أبو دواد والبيهقي في "سننيهما"، والطبراني في "المعجم الكبير" حديث النبي: «إنَّ الله عز وجل أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام»، وعند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال النبي: «إنَّ الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاءً، عَلِمه مَن عَلِمه، وجهله مَن جهله».
وفصَّلت الدار فتواها مؤكدة أن إجراء التجارب الطبية على الإنسان لا يعدو ضررها أن يكون مُحَقَّقًا أو لا؛ فإن كان ضررها ثابتًا ويُشَكِّل خَطَرًا على حياة الإنسان أو على وظيفةِ عضوٍ من أعضائه؛ وذلك كالتجارب الدوائية التي تُجرَى لمعرفة آثار الدواء الجانبية السلبية، ومعرفة مدى الضرر المحتمل من استخدام بعض المواد الخطرة أو الفَتَّاكة، أو بعض السموم؛ فكل هذه التجارب مُحرَّمة شرعًا؛ لأنَّ الشريعة الإسلامية حَرَّمت كل ما يُؤدِّي إلى إتلافِ البدن وإزهاقِ الروح، فأَمَرَتْ الإنسان بالمحافظة على نفسه وجسده مِن كل ما يُهْلِكه، ونَهت عن أن يقتل الإنسانُ نفسَه أو يُنزِلَ بها الأذى؛ فلا يجوز لأحدٍ أن يتصرَّف في جسده تصرفًا يُؤدي إلى إهلاكه أو إتلافه -كما يقول الإمام الشاطبي في "الموافقات" (2/376، ط. دار المعرفة)-، وكُلُّ إنسانٍ وإن كان صاحب إرادةٍ -فيما يَتعلق بشخصه- إلا أنها مُقَيَّدةٌ بالحدود التي شرعها الله تبارك وتعالى كما في قوله سبحانه: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقوله عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].
وتابعت الدار أن الإمام البيضاوي قال في تفسيره: «ينهانا الله عن قتل النفس وإهلاكها بارتكاب ما يؤدي إلى قتلها أو باقتراف ما يذلها ويرديها فإنه القتل الحقيقي للنفس»، كما روى الترمذي في "سننه" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا أَبَدًا».
وفي سياق متصل شددت دار الإفتاء على أنَّ استخدامَ الإنسان كأداةٍ لإجراء مثل هذه التجارب التي تؤذيه أو تُودِي بحياته قطعًا يتنافى مع التكريم الذي جعله الله سبحانه وتعالى للإنسان في قوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، أما إذا كانت هذه التجارب لا ضرر فيها على الإنسان، أو فيها ضرر يُحْتَمَل بحيث لا يُشَكِّل خَطَرًا على حياة الإنسان أو على عضو من أعضائه؛ وذلك كالتجارب التي يتم اختبارها مُسَبَّقًا على غير الإنسان، وعُلِم أنَّه لا ضرر فيها إذا ما أجريت على الإنسان، مع أخذ كل التدابير لمنع الخطر في إجرائها عليه، كما في التجارب التي تُجرَى على الإنسان لمعرفة المزيد عن تفاصيل وظائف الأعضاء، أو الجرعات المناسبة وكميتها من دواء معين؛ فهذه التجارب جائزة شرعًا.
وفي ختام فتواها أكدتمصرية '> دار الإفتاء المصرية أن مسألة خضوع الإنسان للتجارب السريرية وتجربة الأبحاث واللقاحات عليه لا تُمْنَع برمتها، ولا تباح أيضًا برمتها، بل منها ما تجيزه الشريعة ومنها ما تمنعه؛ فيَحْرُم منها ما يُؤدِّي إلى موت الإنسان أو ذهاب جزءٍ من منافع أعضائه قطعًا، وكذا كل ما يُؤدِّي إلى تغيير هيئته وصورته البشرية التي ارتضاها الله له مما فيه إهدار لكرامته، ولا يجوز أن يتطوع الشخص بنفسه في ذلك؛ فالإنسان غير مأذونٍ له بقتل نفسه ولا أن يُفَوِّت منفعة عضو من أعضائه قطعًا.
أَمَّا غير ذلك من حالات التجارب الطبية؛ فيجوز إجراؤها على الإنسان، وللشخص نفسه أيضًا أن يتطوَّع لإجرائها، وهو ما يراه المشرع المصري أيضًا؛ شريطة الحصول على الموافقات الرسمية المطلوبة في هذا الشأن التي تضمن وتراقب اتخاذ جميع الاحتياطيات الكافية لضمان تكوين بيئة صالحة لنجاح التجربة، أو التقليل من مخاطرها، بل تُجَرِّم كل الخروقات الحاصلة قبل التجربة وأثناءها وبعدها أيضًا.