عاطف بشاي
حفلت صفحات التواصل الاجتماعى فى الفترة الأخيرة بحصاد وفير من التعليقات النارية والاشتباكات العنيفة والمساجلات الحادة.. والآراء المتضاربة.. والأحكام القاطعة.. والاستنكارات الجامحة حول وقائع وأحداث متواترة، ابتداء من «جائحة» (البكينى.. والبوركينى) مروراً بقضية السيدة فى المحكمة وانتهاء «الفيرمونت» والملاحظ أنه رغم التباين الشديد.. والتفاوت الكبير فى الآراء ووجهات النظر المتبادلة.. فإن هناك سمات مشتركة واضحة تعكس كثيراً من التغيرات المجتمعية السلوكية التى طرأت على المجتمع.. وشملت شرائح عديدة.. وأحدثت تناقضات فادحة..
اجتاحت السلم القيمى الذى انقلب فى فوضى مستشرية واضطرابات شائنة، وانضم مصطلح «التنمر» المستحدث إلى قائمة المصطلحات التى تعكس ما اعترى الشخصية المصرية من تحولات خلال الثلث الأخير من القرن الماضى وحتى زماننا الراهن، فقد أصبح الإنسان المصرى المعاصر يعانى من تراجع واضح فى الصفات الأصيلة التى اتسم بها عبر العصور- حيث التغير الجامح فى السلوك والسجايا والطبائع- أما السمات المشتركة الواضحة التى نلمحها فى خلال متابعة تلك التعليقات فهى شيوع الاستنتاجات والاستنباطات القائمة على تبريرات متهافتة لا تستند إلى منطق.. أو أسانيد موضوعية أو الإدانة المطلقة القاطعة الحاسمة بقسوة ضارية دون رحمة.. باتة باترة دون مراجعة أو نقض أو استئناف.. أو العفو المطلق أيضاً بلا حيثيات.. أو الانطباعات المتعجلة المبتسرة.. دون روية أو تأمل أو بحث أو فرض الوصاية الأخلاقية والبكاء على الفضيلة المستباحة فى نزعة أصولية متشددة تجنح إلى «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» وإلى ثقافة «الحلال والحرام» أو الجنوح نحو سخرية جارحة وغليظة تعكس سادية بادية أو تشفيًا مقيتًا.. فى قضية «فيرمونت» انقسمت التدوينات انقساماً حاداً يمكن أن يحمل عنواناً ضمنياً هو الصراع النفسى والفكرى بين طبقتين.. أغنياء وفقراء تترجمه الكاتبة القديرة «أمينة خيرى» فى مقال لها بعنوان «قضية الفندق» مؤكدة أن الحادث بسبب وقوعه فى فندق شهير وأبطاله ميسورو الحال فإن «سكاكين الطبقية» و«مطاوى العنصرية» و«سيوف الشرف» المرتبط فقط بالفقراء والغلابة ثم إشهارها فى مواجهة محتدمة بين «الثراء والانحراف».. وبين «الفقر والشرف».. وأن الفرق الوحيد بين الأغنياء والفقراء فيما يتصل بالأخلاق والسلوكيات هو العلن.. فالأغنياء لا يضطرون إلى الإتيان بتصرفات بعينها فى السر عكس الفقراء الذين يضطرون لذلك.. وإذا كانت العلاقات الجنسية المفتوحة شائعة لدى الأغنياء.. فإن زنا المحارم والاغتصاب والتحرش.. والخيانات الزوجية سمة الفقراء والحقيقة أن تلك التصنيفات المتعسفة.. والتعميمات غير الدقيقة تبعدنا عن جوهر القضية المثارة.. وتكشف عن قصور فى الرؤية لدى أصحاب هذه التقسيمات المغلوطة من أصحاب صفحات التواصل الاجتماعى.. إن بيت الداء يفصح عن نفسه بجلاء ووضوح عند تمكننا من استقراء دلالات التغييرات التى طرأت على حال المجتمع المصرى ومسارها خلال أكثر من نصف قرن.. ومدى تأثيره على سلوكيات أبناء الطبقة الثرية أو أولاد الذوات الجدد الذين صعدوا إلى سطح المجتمع بواسطة المال وليس بواسطة الثقافة والتعليم.. وهو ما أشار إليه «د. جلال أمين» فى كتابه «ماذا حدث للمصريين» وتأكيده أن الحراك الاجتماعى هو العامل الرئيسى الذى يحكم اتجاهات المجتمع ويرتبط بما يطرأ على المكانة النسبية للطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة.. صعوداً وهبوطاً..
لقد أصبح من مستلزمات الوجاهة الاجتماعية «للروشين» من أبناء هذه الطبقة، عدم احترام القانون، ذلك لأن القانون يعنى بالنسبة لهم عجزهم فى مجال معين.. وأى عار أن يعجزوا عن شىء وهم يرفعون شعار.. «انت مش عارف أنا ابن مين؟».. فنفوذ المال هو القوة التى يستندون إليها.. أما عربدة «العلن» غير المستترة للمخمليين المترفين فى جرائم اغتصاب أو حفلات جنس جماعى، فإنها لا تعنى سوى تصورهم أن انحرافاتهم من اليسير الإفلات من العقاب بموجبها باستنادهم إلى نفوذ ذويهم.. وهو ما أسفر عن عكسه فى تلك القضية التى أثبتت فيها النيابة حرصها على ضبط الجناة ومحاكمتهم، فلا أحد فوق القانون.. وعين العدالة ساهرة.. وإن طال الزمان.
نقلا عن المصرى اليوم