سليمان شفيق
تضغط فرنسا على السياسيين المنقسمين لتشكيل حكومة جديدة من أجل البدء في إصلاح الدولة التي تعاني من تفشي الفساد، غير أنهم تجاوزوا بالفعل مهلة انتهت الثلاثاء الماضي اتفقوا عليها مع باريس لتشكيل حكومة جديدة.
وكانت القوى السياسية اللبنانية قد تعهدت، وفق ما أعلن ماكرون في ختام زيارته الأخيرة إلى بيروت مطلع الشهر الحالي، بتشكيل "حكومة بمهمة محددة" مؤلفة "من مجموعة مستقلة" وتحظى بدعم كافة الأطراف السياسية في مهلة أقصاها أسبوعين.
في هذا السياق قال رئيس الحكومة اللبناني المكلف مصطفى أديب أمس الخميس إنه قد اتفق مع الرئيس ميشال عون على استكمال مشاورات تشكيل الحكومة، في مسعى أخير لتخطي العراقيل التي حالت دون ولادتها رغم انقضاء "مهلة" تأليفها. وعلى رأس العقبات تمسك الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، بوزارة المالية وبتسمية وزرائهم، رغم التعهدات التي قطعها الساسة اللبنانيين للرئيس الفرنسي.
ويصر الثنائي الشيعي ممثلا بحزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وحليفته حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، على تسمية وزرائهم والتمسك بحقيبة المالية، الأمر الذي يرفضه أديب المصر على تشكيل حكومة بمهمة محددة، بناء على ما التزمت القوى السياسية به أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي هذا الاطار، قال أديب بعد زيارته القصر الرئاسي إنه عرض مع عون "الصعوبات التي تعترضنا لتشكيل الحكومة الجديدة"، مضيفا "أعي تماما أنه ليس لدينا ترف الوقت".
كما أوضح أديب "أعول على تعاون الجميع من أجل تشكيل حكومة تكون صلاحياتها إنفاذ ما اتفق عليه مع الرئيس ماكرون"، لافتا إلى اتفاقه مع عون على التريث قليلا لإعطاء مزيد من الوقت للمشاورات الجارية".
وتضغط فرنسا منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس على القوى السياسية لتشكيل حكومة تنكب على إجراء إصلاحات عاجلة مقابل حصولها على دعم دولي لانتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية. لكن الرئاسة الفرنسية أبدت الأربعاء أسفها "لعدم احترام التعهدات التي قطعوها" خلال زيارة ماكرون، لتشكيل الحكومة "خلال 15 يوما".
وفي هذا الشأن، قال قصر الإليزيه "لم يفت الأوان بعد: على الجميع تحمل مسؤولياتهم من أجل مصلحة لبنان فقط والسماح" لأديب "بتشكيل حكومة بمستوى خطورة الوضع" فيما تشهد البلاد أسوأ أزماتها الاقتصادية.
عقبة الثنائي الشيعي:
وفي موقف حازم امس الخميس، أكدت كتلة حزب الله البرلمانية في بيان إثر اجتماعها رفضها "بشكل قاطع" أن "يسمي أحد عنا الوزراء الذين ينبغي أن يمثلونا في الحكومة.. وأن يضع أحد حظرا على تسلم المكون الذي ننتمي إليه حقيبة وزارية ما، وحقيبة وزارة المالية خصوصا".
ويتهم حزب الله وحلفاؤه، وهم يشكلون أكثرية برلمانية وازنة، أديب بالتفرد في تشكيل الحكومة من دون التشاور معهم.
ولم يبد أديب مرونة تجاه هذا المطلب بعد. ونقلت عنه مصادره الخميس أنه وافق "نتيجة تفاهم غالبية القوى السياسية اللبنانية" على "تشكيل حكومة اختصاصيين غير سياسية، في فترة قياسية، والبدء بتنفيذ الإصلاحات فورا".
مصير غامض للحكومة:
وأوضحت نفس المصادر أن "أي طرح آخر" في إشارة إلى شرط الثنائي الشيعي، "سيفترض تاليا مقاربة مختلفة للحكومة الجديدة، وهذا لا يتوافق مع المهمة التي كلفت من أجلها".
وفي حال إصرار أديب على المضي بحكومة لا تحظى برضى المكون الشيعي النافذ، ستكون مهمة التشكيل صعبة، ما قد يدفعه وفق محللين إلى الاعتذار، حيث إن التوافق بين المكونات الأساسية كان باستمرار شرطا لتشكيل الحكومات في لبنان.
من جهة اخري اعتبر رئيس الحكومة اللبناني السابق سعد الحريري اول امس الأربعاء في تغريدة على تويتر أن "وزارة المال وسائر الحقائب الوزارية ليست حقا حصريا لاي طائفة". وجاءت تغريدة الحريري في ظل المشاروات الجارية لتشكيل حكومة جديدة وفق الجهود الفرنسية لإخراج البلد من الأزمة. ويبدو أن حزب الله متمسكا بوزارة المالية، وفق ما نقلته وكالة رويترز عن مصادر لبنانية.
وتأتي تغريدة الحريري في ظل المشاورات الجارية لتشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن. واعتبر سيمون أبي رميا النائب عن التيار الوطني الحر على تويتر أن لبنان أمام 24 ساعة مفصلية، فإما "ينتصر منطق العقل" ويتم تشكيل حكومة أو يعتذر رئيس الوزراء المكلف.
أما الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط اليوم يرى أن "البعض لا يفهم على ما يبدو أن الجهود التي تقودها فرنسا لإخراج لبنان من الأزمة هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد"، مرددا تحذيرا من باريس بأن لبنان يواجه خطر الزوال بدون تنفيذ الإصلاحات.
ويسعى رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب لتشكيل حكومة لتنفيذ إصلاحات وردت في خارطة طريق فرنسية. وتقول مصادر إنه يسعى لإرساء تناوب على الوزارات، والتي خضع كثير منها لنفس الفصائل لسنوات
لكن سياسيين كبارا شيعة ومسيحيين في نظام تقاسم السلطة الطائفي شكوا من أن أديب، السني، لا يتشاور معهم.
وجاءت أبرز الاعتراضات من السياسي الشيعي نبيه بري رئيس مجلس النواب، وحليف حزب الله الشيعية المدعومة من إيران. ويصر بري على ترشيح وزير المالية، وهو منصب يقرره منذ 2014.
وتقول مصادر إن حزب الله يدعم موقف بري، وإنه أبلغ الرئيس ميشال عون الثلاثاء الماضي بأن الأحزاب الشيعية يجب أن توافق على الوزراء الشيعة وأن وزير المال يجب أن يكون شيعيا.
وكانت فرنسا قد عبرت الأربعاء عن أسفها لعدم التزام الساسة اللبنانيين بالتعهدات التي قطعوها للرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى بيروت في 1 سبتمبر ، داعية إياهم من جديد إلى "تحمل مسؤولياتهم" ومواصلة مساعي تشكيل حكومة إنقاذ تكون قادرة على تطبيق برنامج إصلاحات ملحة تلبي حاجات لبنان، حسبما أعلن الإليزيه.
وأفاد قصر الإليزيه "لم يفت الأوان بعد.. على الجميع تحمل مسؤولياتهم من أجل مصلحة لبنان فقط والسماح" لرئيس الوزراء مصطفى أديب "بتشكيل حكومة بمستوى خطورة الوضع". مضيفة "ما زلنا نتابع باهتمام الوضع ونواصل اتصالاتنا مع المسؤولين اللبنانيين لتجديد هذه الرسالة الملحة".
تري هل يستطيع اديب تشكيل الحكومة او يتراجع عن المهمة ؟