هاني لبيب
خلال الأيام الماضية تداول الإعلام المكتوب والإلكترونى الخلاف بين الأنبا أغاثون «أسقف مغاغة والعدوة» والبابا تواضروس الثانى، على خلفية قيام الأول برفع دعوى قضائية على صحفية بسبب ما اعتبره الأسقف تجاوزًا وتعديًا على الكنيسة ورموزها.
وأود أن أسجل هنا بعض الملاحظات المهمة فى هذا الأمر.
أولًا: أطلقت صفحات السوشيال ميديا على هذا الخلاف العديد من التعبيرات، منها: انقسام الكنيسة، وصراع الحرس القديم والجديد، وأزمة الأسقف والبابا، فى محاولة لتصوير الأمر باعتباره خلافًا سياسيًا مثلما يحدث فى الأحزاب، متجاهلين أدبيات الشأن الكنسى وقواعد التعامل الداخلى بين رموزها. وهذا الأمر وظّفه البعض خارج الكنيسة لتأكيد شكل الخلاف بالترويج للآراء الجدلية، مستندين إلى البيانات والتصريحات المتبادلة بين الأسقف والبابا وتداولها باعتبارها انتصارًا لطرف على حساب طرفٍ ثانٍ. وفى النهاية، انتهى الأمر وعادت العلاقات الجيدة بين الأسقف والبابا، وتنازل الأسقف عن دعواه القانونية.
ثانيًا: لن تُدار المؤسسة الكنسية بالبيانات وبوستات الفيسبوك، كما لن تجد دعوات الهجوم على الراحل البابا شنودة الثالث أى صدى، مثلما لن تنجح محاولات الهجوم والتناحر والتحزب ضد البابا تواضروس، وأذكر أن ما يواجهه البابا تواضروس الثانى الآن هو ما واجهه البابا شنودة الثالث فى بداية توليه منصب البابوية سنة 1971، والتاريخ يؤكد أن البابوات أيًا كانت قوتهم وأهميتهم وتأثيرهم هم فى نهاية المطاف مرحلة تاريخية لها بداية ولها نهاية، أما الكنيسة فهى المستمرة بغض النظر عمن يتولى مسؤوليتها. لذا لا يمكن اختزال الكنيسة فى أشخاص.. وقطعًا هذا لا يتعارض مع بصمات لبعض البابوات لا يمكن تجاهلها أو تجنيبها. والكنيسة ليست هى البابا والأساقفة والكهنة والرهبان، بل هى «جماعة المؤمنين».. أى المواطنين المسيحيين المصريين.
ثالثًا: على سبيل المثال لا الحصر، إذا كان يُحسب للبابا كيرلس السادس تقواه وحرصه على إقامة الصلوات وعدم الحضور اجتماعيًا بشكل قوى، فيُحسب للبابا شنودة إعادة رسم صورة الكنيسة المصرية داخليًا وخارجيًا، ويحسب للبابا تواضروس الثانى صموده بعد تنصيبه سنة 2012 فى ظروف سياسية معقدة مع صعود حكم الإسلام السياسى فى مصر من خلال البرلمان، والانتخابات الرئاسية آنذاك التى فاز فيها المعزول محمد مرسى.
رابعًا: هل تحتاج الكنيسة المصرية من خلال المجمع المقدس لعقد اجتماعات طويلة الأمد لإعادة النظر فى بعض المشكلات والتحديات، لمناقشة بعض المحاور مثل: محور التطوير المؤسسى الداخلى: الإدارة الكنسية والإدارة المالية للكنيسة والإدارة القانونية. ومحور التعليم: التكوين العلمى للكهنة والأساقفة من خلال الحصول على الدرجات العلمية اللاهوتية، وإعادة النظر فى توظيف دور الأديرة لما تملكه من محتوى دينى وثقافى أثرى. ودور الكليات اللاهوتية مثل: الكلية الإكليريكية، والمعاهد المتخصصة مثل: معهد الدراسات القبطية. والمحور القانونى: تعديل وتطوير لائحة 57 لانتخاب البطريرك، وتقديم القانون الموحد للأحوال الشخصية للكنائس المصرية، وإصدار لائحة التأديبات الكنسية لمحاكمات الكهنة، وتعديل اسم وشكل ودور المجلس الملى ليصبح مجلسًا حقيقيًا للعلمانيين المسيحيين المصريين. ومحور العلاقات الدينية: سواء مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف، أو مع الكنيستين الإنجيلية والكاثوليكية، أو كنائس العالم، والمؤسسات ذات الصلة بالعلاقات الدينية. ومحور الإعلام: بتوحيد القنوات الفضائية المسيحية فى قناة واحدة لرفع مستوى المحتوى الإعلامى الدينى؟!
نقطة ومن أول السطر..
قول مأثور: ليس بإنسان ولا عاقل من لا يعى التاريخ فى صدره.. ومن درى أخبارًا من قبله أضاف أعمارًا إلى عمره.
نقلا عن المصرى اليوم