د. محمود العلايلي
فى أواخر أيام عمل البرلمان الذى انقضى دور انعقاده الأخير تم عرض مشروع قانون من قبيل التنظيم المالى والإدارى لدار الإفتاء المصرية، والذى قدمته اللجنة الدينية بالبرلمان بهدف إعادة هيكلة دار الإفتاء ومنحها الشخصية الاعتبارية المستقلة، ونقل تبعيتها إلى رئاسة مجلس الوزراء بدلًا من تبعيتها للأزهر وهيئة كبار العلماء، حسب الوضع الحالى.
وقد علق فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب فى خطاب للبرلمان «إن القانون الجديد يخلق كيانا موازيا لمؤسسة الأزهر وينتقص من دورها المرخص بموجب الدستور»، كما جاء تقرير مجلس الدولة فى نفس الاتجاه، حيث ذكر فى مذكرته التى أرسلها إلى البرلمان أن مشروع القانون الجديد به عوار دستورى حيث يتناقض مع نص المادة السابعة، كما أنه يخالف بعض مواد (تنظيم الأزهر) والهيئات التابعة الصادر عام 1961».
وواقع الأمر أننا إذا ناقشنا النزاع الدائر حول التبعية نفهم أن الإدارة السياسية تريد وجود هيئات دينية لديها قدر من المرونة والتفهم لمقتضيات العصر، بدلا من جعل كل الأمور الدينية فى قبضة الأزهر الذى يحارب بكل الوسائل ألا يفقد أيًّا من أجنحته وكأن هذه المؤسسات والهيئات التابعة له من نبت الأزهر وليست من الهيكل الإدارى للدولة المصرية، وللواقع أيضًا فإن الأزهر يستند دستوريا إلى نص المادة السابعة من دستور 2014 والتى يعلم الجميع ظروف إصدارها، وهذه المادة لا تعطى انطباعا فقط بأن مؤسسة الأزهر فوق مؤسسات الدولة حيث تنص على أن «الأزهر- دون غيره- المرجع الأساسى للعلوم الدينية والشؤون الإسلامية والمسؤول عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم»، وكأن الأزهر جاء قبل الإسلام، أو أن الإسلام والدعوة للدين لم تكن موجودة قبل إنشاء الأزهر، والأهم أن البعض يحول النقاش القانونى والإدارى إلى نقاش دينى حتى تحوطه هالات القداسة وتضفى عليه من الخوف لارتياد هذا المجال أو محاولة إحداث أى تغيير فيه، وهو لا يعدو إلا نقاشًا عن مؤسسة من مؤسسات الدولة المصرية التى تريد إعادة هيكلة مؤسساتها وتنظيمها ماليا وإداريا.
ومما سبق فإننا لا يمكننا بأى حال أن نلقى بأى لوم على فضيلة الإمام الأكبر، أو على هيئة كبار العلماء لدفاعهم عن مقاليد النفوذ وتمسكهم بكل آليات التحكم فى الرأى الدينى الرسمى وذلك بحكم الدفاع عن مكتسبات المؤسسة أولًا، وثانيًا بحكم المرجعية الدستورية التى لا ينازعهم فيها أحد بدليل الرد الخالى من اللبس الذى جاء من مجلس الدولة بوجود «عوار دستورى» فى مشروع القانون.
أما حقيقة المشكلة فيكمن فى أننا نصرّ على خلط ما هو دستورى أو قانونى بما هو دينى ثم جاء الدور على خلط ما هو تنظيمى وإدارى بما هو دينى، وقياسًا على هذا الخلط يوجد تردد فى تحديد مهام المؤسسات الدينية المختلفة، وتنظيم صلاحياتها وفق منظومة عمل الدولة إداريا وتوجهاتها سياسيا، وذلك لأن هذه المؤسسات من هيكل الدولة الإدارى وليست فوقها، وبدلًا من اللوم المستمر لمؤسسة الأزهر عند استنادها للمرجعية الدستورية، فعلى الدولة أن تطالب الأزهريين بكشف حساب عن إنفاق ما يساوى المليار دولار من ميزانية الدولة بالإضافة إلى الهبات والمنح، ومراجعة تحقيق معايير النجاح فيما يتعلق بشؤون الدعوة، وتحديد الآفاق التى نشر فيها علوم الدين بحسب نص المادة الدستورية المستند إليها، لأن فى نفس الدستور المشار إليه تحديدًا للجهات الرقابية ودورها فى محاسبة الأجهزة الحكومية وتقييم أدائها، أما الأمر المثير حقًّا فهو التعامل مع نص المادة السابعة وكأنه نص إلهى، وإحاطته بغلاف من القدسية لحمايته من المساس به، بينما المسألة نص دستورى كتب فى لحظة تاريخية معينة لتأتى حالة سياسية تالية لتغيره أو تلغيه.
نقلا عن المصرى اليوم