أود أن أسترعي انتباه القارئ إلي المقال الذي نشرته صفحة مقالات الرأي العدد الماضي ضمن سلسلة مقالات الأستاذ أنطون سيدهم التي تعيد وطني نشرها, وهو المقال الذي سبق نشره بتاريخ 23/9/1979 تحت عنوان: إسرائيل ومشكلة دير السلطان…
وأود في هذا الخصوص أن أسجل أن اختيار المقالات التي يعاد نشرها من كتاب أنطون سيدهم.. ومشوار وطني الذي يعد أرشيفا كاملا لجميع مقالات الأستاذ أنطون سيدهم يخضع لمعايير انتقائية في صدارتها مناسبة المقال لأحداث معاصرة بغية الربط بينهما والاستفادة من مضمونه في تغيير واقع أو في توجيه قضية معلقة تنتظر الحل.
ولعل هذا هوالسبب الذي دفع نحو نشر التعقيب المصاحب للمقال.. فالمقال يستعرض تاريخ استيلاء إسرائيل علي مقر دير السلطان ذي الموقع الاستراتيجي المتاخم لكنيسة القيامة بالقدس والمملوك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية, وإعطائه لرهبان أحباش تابعين للكنيسة الإثيوبية ـ وكان ذلك عقب نكسة 1967 حين كانت الأجواء ملتهبة بالعداء بين مصر وإسرائيل, ولم تكن تخفي نوايا إسرائيل في الانتقام من مصر والتنكيل بها ـ وكان رد فعل الكنيسة القبطية وقتها أن لجأ نيافة الأنبا باسيليوس مطران القدس آنذاك إلي القضاء الإسرائيلي بدعواه المؤيدة بجميع المستندات والوثائق التاريخية التي تثبت ملكية الكنيسة القبطية لدير السلطان, حيث قامت هيئة المحكمة بنظر الدعوي وفحص الوثائق وأصدرت محكمة العدل العليا بالقدس حكمها بأحقية الكنيسة القبطية في دير السلطان ووجوب تسليمه لها.. بل إن الحكم كان بمثابة لطمة شديدة للحكومة الإسرائيلية حيث وجه لوما عنيفا لها لتصرفها الخاطئ, فما كان من الحكومة الإسرائيلية إلا أن أصدرت قرارا غريبا يتحدي سلطة القضاء ويوقف تنفيذ الحكم بحجة أن له أبعادا سياسية, وتسترت وراء تشكيل لجنة خاصة لدراسة الموضوع سعيا وراء التسويف والمماطلة وتجميد الأمر علي ما هو عليه.
هكذا مضت السنين في ظل توتر العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية واستمرار استيلاء الرهبان الأحباش علي مقر دير السلطان, حتي تغيرت الأوضاع السياسية عقب نصر أكتوبر 1973 وجاءت زيارة الرئيس السادات للقدس وما تبعها من توقيع اتفاق السلام اتفاق كامب ديفيد عام 1979 بين مصر وإسرائيل وتنقية أجواء العداء بينهما وتطبيع العلاقات, الأمر الذي دعا الأستاذ أنطون سيدهم أن يكتب مطالبا القيادة المصرية بالتدخل والسعي لدي القيادة الإسرائيلية نحو تنفيذ حكم محكمة العدل العليا في القدس ورد دير السلطان إلي الكنيسة القبطية.. لكن للأسف لم يحدث شيء وبقيت الأوضاع علي ما هي عليه إلي يومنا هذا.
وأعود إلي ما ذكرته عاليه من أن إعادة نشر مقال الأستاذ أنطون سيدهم أملت علينا إعادة تسليط الأضواء علي القضية واستثمار التطورات السياسية المواتية لعلها تحرك الجمود المحيط بها, فكان أن نشرت وطني التعقيب التالي مصاحبا للمقال: تبرز أهمية إعادة نشر هذا المقال في ضوء حالة الاسترخاء البادية علي العلاقات المصرية الإسرائيلية والتي تجلت خلال الاتصال الذي تم الأسبوع الماضي (وقت كتابة التعقيب) بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي تناقلت الأنباء ما تضمنه من إعادة تأييد مصر للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وتأكيدها علي الحقوق الفلسطينية المشروعة وحثها للعودة إلي مائدة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين… ومن هذا المنطلق يطل الأمل مرة أخري في سعي القيادة المصرية لإثارة موضوع حق الكنيسة المصرية في دير السلطان, هذا الحق الذي أيدته أحكام محكمة العدل العليا بالقدس.
إذا.. نشر مقال الأستاذ أنطون سيدهم وما صاحبه من تعقيب لم يكن مصادفة بل كان إدراكا لأهمية قضية دير السلطان وحتمية تسليط الضوء عليها وإيقاظ الرأي العام المصري تجاهها وحث القيادة المصرية للسعي نحو إخراجها من ثلاجة التجميد وإعادة الحق للكنيسة القبطية… خاصة إذا عرفنا أنه منذ ما يزيد علي خمسة أعوام لاحت في الأفق بوادر أمل تجاه حل القضية من زاوية مختلفة لكنها تبددت… فوقتها شهدت العلاقات المصرية ـ الإثيوبية ما يصلح أن يطلق عليه مصالحة تاريخية علي أثر القمة الثلاثية التي عقدت عام 2015 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين الرئيس عبدالفتاح السيسي وكل من رئيس وزراء إثيوبيا ورئيس وزراء السودان وأسفرت عن توقيع اتفاق المباديء الذي كانت الآمال معقودة عليه لترسيخ مصالح الدول الثلاث المتصلة بمشروع سد النهضة الإثيوبي… ووقتها دعتني أجواء المصالحة والتفاؤل السائدة لأن أكتب بتاريخ 5/4/2015 مقالا بعنوان: في ضوء تنقية الأجواء بين مصر وإثيوبيا.. آن أوان فتح ملف دير السلطان.. وكان بين ما كتبت: هل تنتهز الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مناخ الوحدة والوئام والتكاتف الوطني الذي يسود مصر حاليا والعلاقات المتميزة التي تربطها بكل من القيادة السياسية المصرية ـ والإثيوبية علي السواء لفتح ملف دير السلطان المسكوت عنه طويلا؟.. لقد تضمن اتفاق إعلان المبادئ ترسيخ معايير محترمة في صيانة حقوق جميع الأطراف وعدم استباحة إضرار أي طرف بمصالح الآخر.. لماذا لا نتطلع إلي فتح ملف دير السلطان استلهاما لتلك المعايير نحو إعادته إلي الكنيسة المصرية ـ إسهاما في ترسيخ الثقة وإرساء العدالة وتنقية الأجواء من أية تراكمات سابقة؟.
كان وقتها الأمل يحدوني في السعي لدي إثيوبيا, لكن لم أكن أدري أن الأيام تخبئ الكثير والكثير من المراوغة والتسويف والمغالطات التي أظهرتها إثيوبيا في مسار مفاوضات سد النهضة حتي الآن ما جعل ذلك الأمل يتبدد… وفي المقابل ها هي الأيام تحمل ما لم يكن متوقعا في المتغيرات الإيجابية المشجعة علي الساحة الإسرائيلية, مما يدعوني إلي مطالبة الكنيسة المصرية والقيادة المصرية للسعي لدي إسرائيل نحو إخراج ملف دير السلطان من ثلاجة التجميد.