تنمو الفاكهة والخضراوات الخالية من البذور دون إخصاب، وذلك بنمط من النمو يُعرف باسم الإثمار البكري، عبر إثارة ميسم الزهرة بالهرمونات النباتية (الفيتوهرمونات)، ما يثير نمو المبيض دون إخصابه.

عندما كنت طفلًا، كنت مقتنعًا بأني إذا ابتلعت بذرة فإنها ستنمو داخل معدتي لتعطي نبتة كاملة.

كان هذا من الأمور التي أخافتني في تلك المرحلة من عمري، لذا كنت أزيل كل البذور من شريحة البطيخ بحذر قبل تناولها.

يبدو الأمر سخيفًا الآن لكنه بدا مهمًا لاستمرار حياتي.

ربما أتت فكرة الفاكهة الخالية من البذور إلى ذهن الباحث لسبب مماثل، قد تكون مخاوفه بالطفولة حول نمو نبتة في بطنه أزعجته لدرجة أن يقرر البدء بزراعة فاكهة خالية من البذور.

قد يبدو الأمر معقولًا، لكن لم تأت الفكرة لهذا السبب.

الفاكهة الخالية من البذور موجودة منذ مدة طويلة، توجد في الطبيعة ويمكن إنتاجها صناعيًا أيضًا.

تُعرف عملية صنع الفاكهة الخالية من البذور بالإثمار البكري parthenocarpy، وأُنتجت الكثير من الفاكهة بهذه الطريقة.


ما هي عملية الإثمار البكري؟
عرّف نول لأول مرة مصطلح الإثمار البكري عام 1902، وذلك لوصف الفاكهة المُنتجة دون إخصاب أو أي إثارة أخرى، كالموز على سبيل المثال.

الموز المزروع بطريقة الإثمار البكري عقيم، إذ إن المبيض فيه لا ينتج البذور ما يجعل الفاكهة الناتجة خاليةً من البذور.

كما تعلم، للنبات المُزهر مبيض يحوي بويضة واحدة أو أكثر، وتضم هذه البويضات الخلية البيضية، وما الفاكهة إلا مبيض الزهرة الناضج.

يختلف الإخصاب عند النبات عن الإخصاب عند البشر. إذ توجد خليتان منويتان عند النبات، بينما توجد خلية منوية واحدة عند البشر تدخل إلى المبيض.

في النبات، تدخل خلية منوية إلى الخلية البيضية لتتشكل الخلية الملقحة (اللاقحة أو الزيجوت)، بينما تدخل الخلية المنوية الثانية إلى الخلية المركزية لتشكل السويداء التي تُمثِل النسيج المغذي للجنين.

تنمو البويضات لتشكل البذور ويبدأ المبيض بالنضج ليصبح كبيرًا وطريًا ويشكل الفاكهة في النهاية.

هذه الطريقة الطبيعية لتشكل الفاكهة.

مؤخرًا، يمكن إنتاج الفاكهة دون إخصاب الخلية البيضية والخلايا المنوية بطريقة الإثمار البكري التي قد تكون طبيعيةً أو صناعيةً لإنتاج فاكهة خالية من البذور في المجال التجاري.

كيف تنمو الفاكهة والخضراوات الخالية من البذور ؟
تلعب الهرمونات دورًا مهمًا في نمو النباتات وتطورها، إذ تضبط مستويات الهرمونات عمليتي تطور البذور والفاكهة المرتبطتين بصورة وثيقة.

يمكن البدء بإنتاج الفاكهة الخالية من البذور بإنماء النباتات القادرة على إنتاج الفاكهة دون تلقيح أو إخصاب. بناءً على ذلك، يكون نمو الفاكهة تحت سيطرة الهرمونات النباتية (الفيتوهرمونات).

الهرمونات النباتية هي فيتوهرمونات توجد بكميات قليلة في النبات وهي مسؤولة عن تنظيم إنبات النبات وعمليات أيضه ونموه.

الأكسينات والغبرلينات من الهرمونات النباتية (الفيتوهرمونات) الهامة وتلعب دورًا رئيسيًا في نمو الفاكهة، ومع أنها توجد طبيعيًا في النبات فإنه من الممكن إضافتها من مصدر خارجي.

يُستخدَم هذان الهرمونان على نطاق واسع في إنماء الفاكهة الخالية من البذور في المجال التجاري.

تُعد البندورة Solanum lycopersicum أو ما يُعرَف باسم الطماطم، من الفاكهة التي دُرسَت على نطاق واسع لإنتاج الفاكهة الخالية من البذور.

ولكن، أليست الطماطم من الخضراوات؟
لقد كنت مرتبكًا بخصوص ذلك، لكن من الصحيح القول بأن الطماطم من الفاكهة في المجال النباتي.

يوجد تصنيفان للخضراوات والفاكهة، أحدهما للمزارع والآخر للطاهي. الطاهي مُحقٌ عندما يصنف الطماطم بوصفها خضراوات، فعندما يتعلق الأمر بالطهي تُعتبَر الطماطم من الخضراوات وذلك لامتلاكها القشرة الخارجية القاسية التي يجب أن تُطبَخ غالبًا، وكثيرًا ما تُستخدَم الطماطم في المستحضرات الفاتحة للشهية. لكن تُعَد الطماطم عمليًا من الفاكهة، لأن كل الفاكهة تنمو من أزهار، وتنمو الطماطم أيضًا من أزهار صفراء صغيرة في عرائش.

استُخدِمت الطماطم بصورة واسعة لفهم كيفية إنماء الفاكهة الخالية من البذور صناعيًا.

كان غوستافسون أول شخص أظهر أن إضافة مادة كالأكسين على ميسم نبتة الطماطم تؤدي إلى نمو المبيض إلى فاكهة خالية من البذور أو إثمارها البكري، وكان ذلك عام 1936.


الميسم هو الجزء التكاثري الأنثوي للزهرة، والجزء الذي يتلقى غبار الطلع (حبات الطلع) من النحل أو المصادر الأخرى.

وجد غوستافسون أيضًا أن لإضافة حبات الطلع خارج المبيض نتائج مشابهة، ما يؤدي إلى افتراض أن حبات الطلع تضم هرمونات شبيهة بالأكسين.

بمعنى أبسط، تنتقل الهرمونات الموجودة في حبات الطلع إلى المبيض ما يؤدي إلى نموه إلى فاكهة مع بذور.

إذا أضفت الهرمونات من مصدر خارجي إلى ميسم الزهرة فإن المبيض يُثار للنمو، فلا يميز بين التحفيز الطبيعي لحبات الطلع والتنبيه الهرموني الخارجي، فتكون الفاكهة المتشكلة خالية من البذور بفعل الهرمونات فقط دون حدوث التلقيح الطبيعي.

بإحدى التجارب، أُنتِجت الفاكهة الخالية من البذور جينيًا باستخدام الجين المصنع للأكسين iaaM لبكتريا الزائفة السيرنجية/ الزائفة سافاستانوPseudomonas syringae pv. Savastanoi .

كان هذا الجين تحت سيطرة المحضض الخاص بالبويض

ة (أو المشيمة) من جين DefH9 من زهرة تُعرَف باسم فم السمكة Antirrhinum majus.

المُحَضض هو المنطقة من الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين DNA حيث يبدأ انتساخ الجين، بمعنى آخر يسمح ببدء التعبير الجيني.

تبين خلال دراسة النسيج المأخوذ من النبات وجود تصنيع كبير للأكسين خلال نمو الفاكهة، ساعد الجين في إنتاج أنماط الإثمار البكرية من الطماطم والخيار والباذنجان والتوت.

تُعد الغبرلينات صنفًا آخر من الهرمونات النباتية التي تُعرَف بتأثيرها على نمو النبات والفاكهة.

تبين أن الطماطم المُنتَجة بتحفيز الغبرلين فقط أصغر من الطماطم الحاوية على بذور، ما يدفعنا لافتراض أن الغبرلين وحده غير كافٍ للنمو المتكامل للفاكهة.

للأكسينات والغبرلينات تأثير تآزري على نمو الفاكهة والخضراوات كالطماطم والبازلاء، إذ تبين أن إضافة الغبرلينات تزيد من تركيز الأكسينات في مبيض الأزهار غير المُخَصبة.

أُنتِجَت الفاكهة الخالية من البذور عبر التعديل الجيني على السبيل الإشاري لتصنيع الغبرلين.

تنظم مجموعة من البروتينات تُعرَف باسم بروتينات سيديلا SlDELLA سبيل الغبرلين سلبيًا، إن نقص مستوى هذه البروتينات يسمح للنبات بتجاوز توقف النمو الذي يُفرَض طبيعيًا على المبيض خلال مرحلة الإزهار.

الإزهار هي المرحلة التي تكون فيها الزهرة جاهزة للإخصاب، تكون مبايض الزهرة خلالها غير ناضجة وتفتقر البويضات لذا تبقى متوقفةً عن النمو، ثم يحفز الإخصاب نمو المبيض والكيس الجنيني.

إذا أُضيف مصدر هرموني خارجي خلال هذه المرحلة، تُصبح الزهرة مخصبة نتيجة للتحفيز الهرموني ويبدأ المبيض بالنضج لينتج فاكهةً خاليةً من البذور.

نفاذ بروتينات سيديلا يسمح بتصنيع الغبرلين حتى دون حدوث إخصاب، ما يسمح للمبيض بالنمو لتشكيل فاكهة خالية من البذور.

التعديل الجيني ليس الطريقة الوحيدة لإنتاج فاكهة خالية من البذور، إذ يساعد التغيير في رقم الصيغة الصبغية للنباتات في الوصول إلى نتائج مماثلة.

يعبر رقم الصيغة الصبغية عن عدد مجموعات الكروموسومات المتجانسة الموجودة في جينوم الخلية أو الكائن الحي.

أُنتِجَت ثمار البطيخ الخالية من البذور بهذه الطريقة من نبات ثلاثي الصيغة الصبغية، إذ لا يستطيع الكروموزوم الثالث الإضافي الاقتران بانتظام، ما يعيق مراحل انقسام الخلية والانفصال المناسب للكروموسومات إلى الخلايا البنات، وينتج عنه طفرة تؤدي إلى تشكل ثمار البطيخ الخالية من البذور.

سواءً كانت فاكهة أم خضراوات خالية من البذور، فقد أُنتجَت عبر تحفيزها بالتحفيز الهرموني أو تغيير رقم الصيغة الصبغية.

الخاتمة:
يوجد العديد من الأسباب التي تجعل الفاكهة والخضراوات الخالية من البذور في غاية الأهمية:


     يزيد خلو الثمار من البذور من جودة ولذة مذاق الفاكهة، خاصةً عندما تكون البذور قاسية أو لها مذاق سيئ.
     نقص ملحوظ في البنية (القوام).
     منع التحول للون البني عند إنماء الباذنجان دون بذور.
     تزيد فترة صلاحية الفاكهة نتيجة لخلوها من البذور، ما يزيد من صلاحيتها التجارية.

قد يكون للفاكهة الخالية من البذور قيمة كبيرة في السوق، لكن ليس من السهل إنتاجها نظرًا إلى العوامل المختلفة التي تدخل في إنتاجها.

يجب توخي الحذر حتى لا يحدث أي تغيير في الطبيعة الخضرية والتكاثرية للنبات أثناء عملية الإنتاج، ويجب الانتباه أيضًا إلى الكمية المضافة من الهرمونات، إذ توجد الهرمونات بتركيزات دقيقة جدًا في النبات ما يسبب شذوذًا في النمط الظاهري عند أي زيادة في تركيزاتها.

ما تزال معرفتنا حول آلية تأثير الهرمونات النباتية على نمو الفاكهة في مرحلة البحث.

وبالمزيد من الدراسة، قد نكون قادرين على استغلالها لإنتاج فاكهة خالية من البذور ذات جدوى تجارية.

يمنحنا هذا عدة سنوات نتلو فيها القصص على إخوتنا الصغار لنخيفهم من خطورة نمو البطيخ في بطونهم إذا ابتلعوا بذرةً من بذوره.