قصّة للأطفال والكبار : زهير دعيم
في احد الأيام الدّراسيّة خطر على بال مربيّة الصّف أن تقوم وصفّ لينا بزيارة ملجأ العجزة في البلدة.
استغرب معظم الطلاب حينها ، فهم تعوّدوا على الرحلات والنزهات الترفيهية والعلميّة .
ولكن سرعان ما اقتنع الطلاب بجدوى هذه الزيارة ، بعد أن شرّحت لهم المربية أهمية القيام بمثل هذه الزيارات ، وكيف أنّها تدخل الفرحة الى قلوب المسنّين.
نعم اقتنع الطلاب ، ولكن لينا لم تكن بحاجة الى اقتناع ، فهي مُقتنعة أصلًا ، وتتشوّق الى القيام بها، فقد ناجت نفسها قائلة :
يا الهي كم أنا متشوّقة الى مثل هذه الخطوة !! ولكن هل يا ترى سيفرح النزلاء هناك ؟ وهل سيكون بمقدورنا ان نُدخل الفرحة الى قلوبهم؟
وجاء اليوم الموعود وحدثت الزيارة ، وجاء وقعها طيّبًا على الطلاب والمُسنّين الذين شاركوهم أكل " الهريسة" التي احضرها الطلاب معهم والتي طالما أحبّوها.
امتدح المسؤول عن الملجأ هذه الخطوة واعتبرها مباركة .
وقُبيل خروج الطلاب من الملجأ لاحظت لينا أن هناك عجوزًا يلبس كنزة قديمة ، فاقتربت منه بلطف ومحبة وسألته : " أتريد يا جدّي أن احضر لك في المرة القادمة كنزة صوفيّة جديدة ؟
فهزّ الشيخ رأسه بخجل وكأنه يقول نعم.
عادت لينا الى البيت ، وكلّ تفكيرها يدور حول الملجأ والكنزة ، وعندما سألتها الأمّ عن الزيارة قال باختصار : لقد كانت مُدهشة وفي منتهى الرّوعة.
دخلت لينا الى غرفتها وهي تتخذ قرارًا لا رجعة فيه: لن يبقى هذا العجوز بهذه الكنزة القديمة. لا... بل سأوفِّر له ولغيره كنزات جديدة ولو اقتضى الامر ان أحرم نفسي من المصروف اليومي ، بل وأن أشحذ !!!
بالفعل بدأت تجمع المصروف ولكنها وقفت بعد اسبوع لتكتشف انّ ما وفرته لا يكفى لشراء نصف كنزة !!! فبدأ اليأس يتسرّب الى نفسها ،...خاصّة وان الشّتاء لا ينتظر والكنزات لا تُلبس في الصيف...اذن لا بدّ من عمل شيء ..لا بُدّ من القيام بخطوة ما.
وفي المساء لاحظ الاب انّ ابنته مهمومة ومغمومة على غير العادة ، فاستفسر منها بلطفٍ قائلا : "ما لكِ يا صغيرتي؟ ".
فتنهدت لينا وقالت : لا شيء... لا شيء.
فردّ الوالد : لا ....لا بدّ من شيء ، فهذا الهمّ في عينيك غريب.
قصّت لينا على ابيها ما تُفكّر به .
فابتسم وهو يضمّها قائلا: لقد كبرت في عينيّ ، سيكون لك ما تريدين ، فأنا سأدفع ثمن الكنزات .
فرحت لينا وعانقته وهي تقول : كنتُ دائما أقول انك أب رائع.
ولم تنم لينا في تلك الليلة.