بقلم جورج حبيب ( سيدني أستراليا )
يغيب عن الانسان ما بيده من نعم وهي بلا شك كثيرة وان اختلفت من شخص لاخر-فالله يعطي لكل انسان ما يناسبه-ويجربه بما يستطيع ان
يتحمله-وهو لا يجرب احدا فوق طاقته ( لانه لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون 1 كو 10 : 13 )
ولا يشعر الانسان بما لديه من نعم الا بعد ان يفقدها-و المقولة التي تقال مثلا في من يفقد صحته ( الصحة تاج فوق رؤوس الاصحاء لا يرا ه الا المرضي
وهناك الكثير من الحكايات والرويات لاناس كم كانوا يشتكون من اخرين قريبين منهم مر الشكوي وكانوا يرون الخلاص منهم فيه كل الحلول والذي يجعل الحياة وردية ناعمة بعد الخلاص من هذا الشخص او هذة الشريكة
وحكت لي احدي السيدات عن زوجها والذي من وجهة نظرها ليس به اي شيء نافع -فهو عنيد ولا يشارك في اية مسئولية-وغير مجامل وكثير الطلبات-ويطالبها باعداد وجبات تتعب في اعدادها ثم لا يتناول منها شيئا او يتناول منها القليل-وهو غير مجامل لاهلها وزويهم-وهكذا كانت دائمة الشكوي وغير راضية تندب حظها العاثر الذي اوقعها فيه
وبعد فترة مرض الزوج-وحقيقة كانت تسهر علي تمريضه وتهتم بادويته -وتتابع مع الاطباء-وهكذا كانت تشتكي من ان الحمل قد زاد عليها -وهي لم تعد قادرة علي هذا العبئ-وقد كان يحاول ان يتكلم معها ولكنها كانت لا تبادله الحديث بحجة انها مرهقة وغير قادرة-وقد ملت من احاديثه وليس شيئا جديدا عنده
ومرت الايام وهي علي هذا المنوال شاكية متضررة-ولكن حدث ذات يوم ان فاجات هذا الزوج نوبة قلبية وعلي اثرها فارق الحياة-وتصور كل القريبين من الزوجه انها قد استراحت -فجميعهم كانوا يتمنون رحيله راحة لها فهي لم تعد مطلوب منها رعايته ولا الضوضاء التي كان يصنعها ولا متعلقاته التي كانت متفرقة في كل مكان وكان عليها ان تقوم بترتيبها كل يوم-وكذلك لم تعد مطالبة بالمتابعة مع الاطباء ولا الذهاب الي الصيدليات لاحضار الادوية-ولا طبخ الاكلات التي كان يطلبها ولا ياكل منها
وذات يوم بعد الوفاة باسبوع ذهبت احدي الصديقات الي هذه الزوجه لتفتقدها وتسال عنها وعن احوالها-وكانت متصورة انها ستجدها احسن حالا مما سبق-حيث تخلصت من كثير من الاتعاب والاحمال-وعندما طرقت باب شقتها اذا بها تجدها في حالة سيئة للغاية-فقد ذبلت وتشاحب لونها-وعم الوجوم علي وجهها وكانها تبدلت بانسانة اخري-وعلي الفور سالتها الصديقة ماذا بك يا عزيزتي-كنت اظنك احسن حالا-وعلي الفور ارتفع صوت بكاتئها الي درجة النحيب-وقالت كم كنت عمياء لا اري كل الخيرات التي كانت بيدي في وجود زوجي-وسالتها الصديقة-كيف ذلك وكنت تشتكين مر الشكوي-واجابت الزوجه كنت عمياء كما قلت لك-اليوم اجدني وحيدة لا اجد من يحادثني او يتبادل معي اي حديث-وقد كان زوجي يكلمني كثيرا وكنت لا ارد عليه-وقد حاولت ان اكلم اقاربي واصدقائي ولكن الجميع ليس لديه وقتا ليسمعني
وتابعت كان زوجي يطلب مني ان اصنع وجبات ولا ياكل منها واكتشفت انه كان يطلبها لانني احبها وليس هو-ولعلمه انني لن اصنعها لنفسي كان يطلبها حتي اكل منها انا وليس هو
كنت اظن انه لا يشارك في اية مسؤلية -ولكني عرفت انه كان يدفع الايجار ويسدد الفواتير-ويراجع حسابات البنوك -وكنت اظن انه يضيع وقتا ليجلس امام الكمبيوتر-ولم اعلم ذلك الا بعد ان وجدتني في حيرة ولا اعلم كيف اقوم بهذه الاشياء
وبعد وفاته اكتشفت انه كان يرسل لبعض الفقراء من اهلي مبالغ شهريه عن طريق الانترنت-بل وتكاليف جنازة اي احد يتوفي عائلتي-وكنت اظنه انسان جاحد غير مجامل ولا يهمه الا نفسه
كنت اشتكي قبلا من متعلقاته والموجودة مبعثرة في كل مكان وكنت ابذل جهدا لاعادة ترتيبها-واذا بي اليوم وبعد رحيله لدي وقت فراغ مميت -ولا اعرف ماذا اصنع فيه وقد كنت قبلا مشغولة وليس لدي اي ملل
كنت اثناء الليل يفاجئني نوبات مغص -وكان يقوم ليصنع لي بعض المشروبات المهدئه وايضا المسكنات-وكنت يوما لا اقدر هذا -ولكن اليوم حينما امرض لا اجد من يسال عني او يناولني كوب ماء او مسكن
كان التليفون لا يسكت من سؤال الناس عنه-اليوم وقد اصبح التليفون جثة هامدة وكانه سكت الي الابد
في الصباح وجدت صندوق القمامة ملانا ورائحته كريهة ولم يحدث هذا قط وقت ان كان موجودا-اذ حتي وهو مريض كان يوميا يحمل القمامة ويقيها في صندوق القمامة العام بالشارع-وعندما حاولت فعل ذلك بعد رحيله وجدت كم هذا الامر صعبا لانني اقطن بالدور الثالث وارجلي تتعبني للنزول والصعود وتعجبت كيف كان يفعل ذلك يوميا
كان يهوي ان يذهب الي السوق ليشتري المتطلبات وكم كنت الومه لشراء اشياء غير ضروريه او غير جيده-ولكن لم يكن ينقصني شيء فهو كان يوفر كل شيء-اليوم وجدتني ينقصني الكثير لاشتريه وانسي الكثير ويدركني الكسل لاذهب الي السوق مرة اخري
وهكذا اكتشفت كم كنت عمياء وغير مقدرة لكل هذه النعم التي لم اقدرها الابعد رحيله
وهكذا الحال بالنسبه لجميعنا-لا نقدر ما بايدينا الا بعد ضياعه منا
يا ليتنا نشكر علي ما لدينا طالبين من الله ان يديمه لنا وقبل فوات الاوان