الأنبا إرميا
بدايةً، أود أن أهنئ المِصريِّين جميعًا بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، تلك الانتصارات التى أكدت بسالة الجندى المِصرى فى دفاعه عن كل ذرة من حبات تراب الوطن الغالى «مِصر»، مجسدةً قدرته على تخطى الصعاب والمحن، حافرةً بطولات على صفحات التاريخ باقية عبر العصور. كل عام وجيشنا المِصرى ورجالاته بخير، وهم حامون الأرض الغالية، مدافعين عن أمنها وأمانها.
كان الحديث، فى مقالات سابقة، عن ثوْرات تِقْنية شهِدها العالم قديمًا، وأخرى يشهدها الآن عاكسةً تطورًا وإيقاعًا بالغى السرعة يومًا بعد يوم. ومن أحدث هذه التطورات، ما عُرض فى المؤتمر الصحفى الذى أذيع على الهواء مباشرة من ولاية «كاليفورنيا» الأمريكية، الجمعة 28/8/2020م، والذى استمر ساعة و13 دقيقة تقريبًا، حيث عرضت شركة Neuralink، التى يمتلكها رجل الأعمال المليونير الأمريكى Elon Musk، الشريحة الإلكترونية الصغيرة التى اختُرعت لتركَّب داخل الدماغ البشرى بهدف التحكم فى المخ ـ وكما يقول مخترعوها ـ لمعالجة الأمراض الذهنية والعقلية، ولتطوير العقل البشرى بتغذيته بالمعلومات، ولرفع كفاءته لتتخطى حدود البشر الطبيعية؛ ويُعد هذا أحد أهداف Musk الذى أعلن فى عدد من المناسبات أنه يعمل من أجل رفع كفاءة الإنسان، فى مقابل الذكاء الاصطناعى الذى يحمل خطرًا شديدًا عليه.
وأعلن Musk فى المؤتمر أن الشريحة لم تعُد حُلمًا يراود العقول، بل صارت حقيقة على أرض الواقع، حيث أُجريت بها تجارِب على حيوانات، ثم حصلت على الموافقة، وستجرَّب على البشر فى قريب عاجل. والشريحة جهاز صغير جدًّا يركَّب فى الدماغ البشرى بعملية جراحية: تستغرق ساعةً واحدة، ولا تحتاج إلى مخدر، ولا تسبب ألمًا، ولن تترك سوى أثر ضئيل؛ وأعلن أن إزالة الشريحة ممكنة متى رغِب صاحبها فى ذلك، ودون إحداث أى ضرر.
ومن الناحية الإيجابية، فقد ذكر Musk أن للشريحة قدرات متنوعة فى معالجة أمراض يعجز الطب عنها، مثل: فقدان البصر، والصمم، والشلل، وفقدان الذاكرة، والسكتات الدماغية، والأمراض العقلية، وكثير من الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق وغيرهما. أمّا عن التحكم فى الشريحة، فقد أعلن أنه ممكن لصاحبها نفسه، باستعمال تطبيقات تُستنزل فى الهاتف المحمول! وبواسطة الشريحة، يمكن للإنسان التحكم فى كل ما لديه من أجهزة إلكترونية مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الحواسيب والأجهزة المنزلية التى تعمل بالتحكم الإلكترونى، وإلى جانبها سيارات Tesla الكهربائية حيث يمكن للإنسان التحكم فى السيارة واستدعاؤها للركوب. ويمكن للشريحة أن تشغِّل الموسيقى داخل عقل الإنسان مباشرةً دون الحاجة إلى استعمال السماعات!!، كما يمكنها أن تُنذر بوقوع أى مشكلة صحية مفاجئة للإنسان كالأزمة القلبية!!، ومما يجدر ذكره أن الشريحة تُشحن لا سلكيًّا (wireless).
أما من الناحية السلبية، وهو ما أراه خطرًا محدقًا، فهو قدرة الشريحة على قراءة ما يجرى فى مخ الإنسان وتحليله، ومراقبة حالته المزاجية التى تغير كيمياء المخ وتتغير بها!!، ولأن للشريحة إمكانية قراءة كل مادة كيميائية، فإنها يمكنها توقع أفعال الإنسان!!، كما يمكنها التخطيط لضبط وظائف جسم الإنسان، والقدرة على التحكم فى مشاعره وحالته المزاجية!!، بل ما أراه عظيم الخطر، هو أن التحكم فى الشريحة يمكنه أن يجرى ببرامج خارجية!!، فماذا يكون الوضع، إن حدث اختراق خارجى للتحكم فى هذه الشريحة، مثلما يجرى الآن فى برامج الحاسوب؟!.
لقد أعلنت الشركة أنها تعمل على ابتكار نظم حماية فائقة المستوى؛ لمنع وصول أىّ مخترِق لبيانات الشخص التى تخزَّن على الشريحة، ٰلكن هذه النظم لن تمنع من المحاولات الحثيثة للتحكم فى البشر. فماذا، إن حدث اختراق؟!. و... وفى «مِصر الحلوة» الحديث لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم