بقلم: نبيل حنا

ترقب المصريون على اختلاف توجهاتهم بتحفز الحكم الذي سيصدر على مبارك وابنيه ووزير داخليته ومساعديه، توقع بعضهم البراءة وخمن آخرون حكماً بالإعدام وتعددت الآراء ولكن توحدت الآراء على أن يوم السبت الموافق 2 من شهر يونيو لسنة 2012 لن يمر مرور الكرام. وتوقع كثيرون - من ضمنهم أنا - أن يتم تأجيل الحكم إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها بعد أيام. ولكن الحكم الذي صدر أكد  أن كل من توقع تأجيل الحكم أو صدور حكم يرضي الثوار إنما هو ساذج سياسياً! إن  النطق بحكم كهذا في ذلك الوقت بالتحديد ليس اعتباطياً ولكنه مدروس فهذا هو الوقت المناسب لإثارة أطياف الشعب!

لنلاحظ معاً بعض النقاط،  منذ فترة تحاصرنا الحرائق والحوادث  وأزمات البنزين المفتعلة ولكن لم يكن هذا كفيلاً بتحريك الثوار.صدرت في الفترة السابقة أحكاماً مستفزة ولكنها أيضاً لم تكن كافيةً لتحريك طبقة عريضة من الثوار. وكان الحكم الصادر باستبعاد حازم صلاح أبو إسماعيل من الانتخابات الرئاسية مستفزاً لأنصاره الذين حلفوا أن يفدوه بحياتهم ولكن الاحتجاجات التي قاموا بها وانضم إليها بعض الثوار لم تكن بالقوة التي قد تحدث أي تغيير. وغير ذلك من القرارات والأحداث التي بدت مستفزة إلى حد كبير ولكنها لم تكن بالقوة الكافية لإضرام نار الثورة من جديد. وأخيراً جاءت نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات مخيبة لآمال الجميع وبالأخص الثوار الذين لم يتوقعوا نجح شفيق الذي يمثل النظام السابق بالرغم من دعم الجيش الواضح له. ولكن تلك النتيجة المهينة بالرغم من أنها تحصر الإختيار بين مرشح من النظام السابق ومرشح إخواني يوصف بالاستبن لم تدفع الثوار بالنزول إلى الميدان لأنه في حال نزولهم سيتهمون بأنهم لا يمثلون إرادة الشعب الذي اختار في انتخابات وصفت بأنها "نزيهة".

ولكن من يريد تحريك الثورة الراكدة؟ الإجابة في وجهة نظري هي: المجلس العسكري! فبعد وصول المجلس العسكري إلى سدة الحكم بفترة وجيزة ظهر أنه لا يختلف عن مبارك في شئ وبدأت وعوده تسقط واحداً تلو الآخر، وأي متبع للأحداث سيجد أن المجلس العسكري الذي كان يدعي أنه يريد تسليم السلطة في أقرب وقت ممكن إنما هو شديد التمسك بها. وحين آن أوان الإنتخابات لم يجد مفراً من تأجيلها ولكنه تغاضى عن المخالفات كشراء الأصوات والدعايات الانتخابية أمام اللجان وكذلك أصوات الموتى وأصوات الضباط والعساكر... وأخيراً ظهرت لنا النتيجة البشعة.

وقد يظن بعض الناس أن وصول شفيق "مرشح الجيش" إلى الجولة الثانية مطمئناً للمجلس العسكري، ولكن هذا المجلس الذي نجح لفترة في تمثيل دور الأب الحنون للشعب المصري يعتمد على استراتيجيات غفلنا التفكير فيها، فوصول شفيق إلى الحكم يعني خروج الثوار والإسلاميون إلى الشوارع وينذر بثورة أقزى من ثورة 25 يناير بالأخص أنها لن تكون سلمية.ونتيجةً لأحداث كهذه سيفقد المجلس العسكري شرعيته ويصبح اما خيارين إما استخدام القوة المفرطة أو تسليم السلطة لقيادة ثورية لن ترحمه. أما في حال وصول مرسي إلى الحكم فسيقوم الأخير بتفتيت قوة الجيش كما سيفرض سيطرته بإسم الدستور والدين على القوى السياسية وسيقهرها تدريجياً. قد يكون الرد على هذا أنه لو كانت الانتخابات غير نزيهة وليست مصلحة المجلس العسكري مع أحد هذين المرشحين لساعدوا مرشحاً آخراً. وهذه نظرية غير منطقية فلو تغضاضينا غن المرشحين معدومي الفرصة وركزنا على المرشحين ذوي الشعبية سنجد أننا أمام أبو الفتوح وهو في وجهة نظري متلون إلا أنه كان سيتخذ موقفاً مشابهاً لموقف مرسي حيال الجيش. وحمدين صباحي ذو الفكر الثوري قد يقوم بمحاكمات ثورية ويفتح ملفات كثيرة مسكوت عنها.

أما عمرو موسى فذلك الكهل بالرغم من أنه مرشحاً مدنياً لن يضر المجلس العسكري أو الجيش في شئ إلا أنه ظهر باهتاً عاجزاً وانصرف عنه مؤيديه. وحين وصل شفيق إلى الجولة الثانية وتعالت الصيحات ضده تأكد المجلس العسكري أنه أمام خيارين كلاهما مر، لذلك وجب عليه الخروج من المأزق دون أن يلوث يده، فيترك القاضي لينطق بحكمٍ مراوغٍ من شأنه إشعال فتيل الثورة. فيبقى لدينا الآن ثلاث إحتمالات، إما أن تؤجل الإنتخابات وهذا ليس حلاً جذرياً، أو أن تقام الانتخابات في موعدها ويصل شفيق إلى الحكم فيسيطر هو ومن حوله على الثوار الذين سيتم انهاك قواهم في افترة المقبلة، أو أن يعاد سيناريو الانفلات الأمني فتفرض الأحكام العرفية  وتمد سلطة المجلس العسكري إلى أجل غير محدد!