د. مينا ملاك عازر
حرب أكتوبر واحدة من أعظم العمليات العسكرية التي لم تغير مجرى التاريخ العسكري وعلومه فحسب، ولكن مجرى التاريخ الإنساني في عصرنا الحديث، ولذا أرى أنه من الضروري أن نرصد قبل الخوض في الحرب والمهام القتالية المبهرة التي أداهها الجندي المصري ورؤساءه، أن نسترسل قدر الإمكان في الحرب الدبلوماسية وربما السياسية التي خاضتها الدولة ورئيسها قبل الوصول لتلك اللحظة التي تحركت فيها الطائرات والمدافع أرعدت والدبابات قفزت من خنادقها لتسطر تاريخ جديد من تاريخ العسكرية المصرية يمتلأ بالعزة والفخار.
لما كان من الواضح في الفترة الماضية، إبان إدارة نيكسون الأولى، أن عملية السلام شأن تعتني به وزارة الخارجية الأمريكية، فكان من المتوقع أن تستمر الأمور هكذا، غير أنه مع نجاح نيكسون في الانتخابات الرئاسية في 7 نوفمبر عام 1972، بدا أن هناك ثمة تغيير في الموقف الأمريكي، واتضح ذلك من خلال برقية متشددة لوزارة الخارجية في نفس اليوم أرسلت لمصر لتقييم الإدارة الجديدة لقضية الشرق الأوسط، تحدثت عن مسئولية الأطراف المعنية عن البحث عن حل ينبعث من المنطقة، مع تأكيد الولايات المتحدة بعدم استعدادها للضغط على إسرائيل، والعزم على تسليمها الأسلحة التي تُمكنها من منع العرب من التفوق العسكري عليها، ولم تجد مصر في صياغة البرقية ما يشجع على مواصلة الحوار، ومن ثم توقفت الاتصالات.
وبذلك تكون قد تغيرت المواقف الأمريكية من القضية، وتبدلت وسائل الاتصال بين واشنطن ومصر، فقد هُمش دور وزارة الخارجية الأمريكية في الاتصالات، وربما كان ذلك مقدمة لتسليم ملف عملية السلام إلى البيت الأبيض، ولكي تكتمل الصورة السياسية آنذاك لابد من الإشارة إلى أمر خطير تمثل في زيارة عزيز صدقي رئيس وزراء مصر آنذاك لموسكو خلال الفترة من 16-18 أكتوبر من عام 1972، وهي الزيارة التي نجم عنها عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة بعد أن كانت قد تأثرت بالسلب بخطوة السادات فيما عُرف بطرد الخبراء السوفييت، وهناك أبلغ الدكتور عزيز صدقي قادة الاتحاد السوفيتي تعهد السادات بعدم تصعيد حدة التوتر في المنطقة، كما أن السادات كان قد وافق على مد العمل باتفاقية التسهيلات الملاحية الموقعة بين مصر والاتحاد السوفيتي عام 1968، وذلك قبل انتهاء موعدها، وقد وافق السوفييت خلال تلك الزيارة على إمداد مصر بحاجتها من قطع الغيار اللازمة للقوات الجوية المصرية، وإعادة بعض صواريخ سام 6 التي كانت قد سُحِبت في شهر يوليو من نفس العام، وتم إعادة بعض الخبراء السوفييت لمصر.
فلنتوقف هنا لنلتقي المقال القادم لنتعرف على لتحركات الدبلوماسية المصرية بين الاتحادي السوفييتي وأمريكا، ولنتعرف على المزيد من ملابسات وظروف اتخاذ قرار الحرب.
المختصر المفيد الحرب خدعة.