مفيد فوزي
هذا مدخل واقعى مهم لمبادرة «اتكلم مصرى»، قبل أن نفهم فلسفتها.
■ د. رغدة عيسى، مصرية تعيش فى ليجوس العاصمة النيجيرية بعد أن تزوجت من إنجليزى أعلن إسلامه قبل أن يتزوجها كشرط للارتباط، وكانت رغدة «أستاذ مساعد للصحافة فى أكاديمية الإعلام»، وكانت تعدّ لى المعلومات بمهارة فى البرامج التى قدمتها على شاشة الأوربيت. رغدة لها صبيان ومشكلتها أنها تخاطبهما بالمصرى ويردان بالإنجليزية وتكاد تُجنّ، فقد تمنت أن تسمع اللهجة المصرية على شفتى الصغيرين! وبالطبع التفاهم بين رغدة وزوجها بالإنجليزية، أى باختصار اللغة الأجنبية هى الأساس، ورغم رغبة رغدة فى أن يتكلم الأولاد لغتها المصرية فلم تنجح، حتى الخادمة أجنبية، ولذلك لا مجال مطلقًا لكى يتعود الصغيران النطق بالمصرية، ولكن صديقة رغدة اللبنانية تتحدث صغيرتها باللبنانية رغم زواج صديقتها من مهندس فرنسى، ولكن اللغة السائدة اللبنانية والخادمة لبنانية والتليفزيون اللبنانى لا يتوقف ساعات النهار، فأصبح وجدان ولسان صغيرتها لبنانيًّا، وتبقى مشكلة رغدة مع ولديها.
من هنا جاءت مبادرة وزيرة الهجرة المصرية لحمًا ودمًا.. وفؤادًا السفيرة نبيلة مكرم.
■ فلسفة مبادرة «اتكلم مصرى» هى فى نقاط محددة:
1- مبادرة وطنية تتحدى حرب الهوية.
2- أهمية ربط أبناء المصريين بالخارج بالوطن ومفهوم الدولة والأمن القومى.
3- ترسيخ مفهوم الهوية المصرية فى نفوس أبناء مصر حول العالم.
4- الاهتمام بأبناء الجيلين الثانى والثالث لتنمية روح الولاء والانتماء.
5- أن معظم فعاليات العمليات الإرهابية فى الخارج منفذوها من أبناء الجيلين الثانى والثالث من كافة الجنسيات، وبدأت البرامج حتى لا يتم استقطابهم لهذه الأفعال.
6- أن اليونانيين والقبارصة تعلموا اللغة العربية ولديهم ولاء كبير لمصر.
7- أن تعلم اللغة العربية ولهجتنا المصرية هو جسر للتواصل مع الأجيال الشابة بالخارج والتعرف على التحديات التى يواجهها وطنهم وغرس بذور الوطنية والانتماء ليس للأبناء فقط، إنما للأسر ليساعدوا الأبناء على تنمية اللغة العربية، وتعزيز الهوية الوطنية.
8- أن حرب طمس الهوية خطيرة جدًّا لمحوها، وشبابنا يريدون من يتحدث إليهم لكى يتحصنوا ضد حرب الهوية، واللغة العربية والمصرية الوسيلة لنقل التاريخ وتوصيل الحقائق.
9- إذا قمنا بترجمة مسلسل «الاختيار» وفيلم «الممر»، فالترجمة لن توصل المعنى الحقيقى كما توصله اللغة العربية.
10- نعم، إن اللغة الأجنبية إضافة للشخصية، ولكن لا يجب أن تفقدك لغتك وهويتك، ويجب أن نعيش بالمصرى بكل عاداتنا وتقاليدنا.
11- أن الهدف من مبادرة «اتكلم مصرى» هو ضم أبناء مصر فى حضن وطنهم.
■ يرى وزير الإعلام أسامة هيكل أن «المبادرة تأتى فى توقيت نواجه فيه حربًا شرسة على الهوية المصرية بغرض النيل منها واستبدالها بهويات أخرى تضعف ارتباطنا بوطننا»، ويرى هيكل أن «مصر أصل اللغة العربية، فاللغة العربية هى التى تنتمى لمصر وليس العكس، وتراجع الدراما المصرية التى كانت وسيلة التواصل بين الأجيال، وقد أدى هذا لفقد القدرة على تصدير اللغة لأولادنا».
■ يرى د. هشام عزمى، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، أن «تعزيز الهوية الثقافية لا يتعارض مع الانفتاح على الآخر، ونحن نحتاج لترسيخ الانتماء بداخل النشء فى الخارج»، ويرى أن «التراث الثقافى هو الذاكرة الحية لكل من الفرد والمجتمع، وهى لا تنتج بدون اللغة، فاللغة العربية هى الوعاء الحاوى للهوية الثقافية، وهى الوسيلة الوحيدة لربط المصريين بالخارج، وسوف يظل الطفل مغتربًا حتى يتعلم لغة وطنه».
■ يرى الفنان محمد صبحى أن «مسلسل يوميات ونيس ناقش أهمية الحفاظ على اللغة العربية، ومن المهم تضافر الروافد الحقيقية بين الإعلام والثقافة وسط محاولات لتفريغ مجتمعنا من هويته، وأن من المهم تقديم أعمال فنية راقية تساعد على الحفاظ على هويتنا المصرية وعلينا الالتفات والتصدى للانفلات الثقافى».
■ لم يفت نبيلة مكرم أن تقدم محتوى بسيطًا يناسب كل فئة عمرية لتعلم اللغة العربية لأبنائنا فى الخارج- رغدة عيسى نمطًا- فهى فى مبادرتها حرب الهوية تساعد على خلق أنشطة مبسطة يشارك فيها أعضاء الأسرة لتصل إلى المحتوى المطلوب عبر تفاعل ضرورى، وهذا قمة الجهد لأبناء الخارج.
■ ولعلى أضيف إلى مبادرة الوزيرة اللماحة شيئًا، لا أظن أنها تتجاهله، وهو أبناء وبنات المدارس الأجنبية، فهم يعتقدون أن الكلام باللغات الأجنبية هو الرقى، والكلام باللغة العربية حتى اللهجة العامية هو «بيئة»، وهى كلمة- للأسف- ترنو إلى الدنو والهبوط، إنها ثقافة يا سعادة السفيرة الوزيرة عششت فى العقول ولم يتصدَّ لها الإعلام، ولم تتصدَّ لها الوزارات المنوط بها التعليم على مدى نصف قرن، بل إن إرسال الأولاد والبنات إلى مدارس أجنبية صار موضة ذائعة بين أسر قادرة على مصاريف هذه المدارس، التى أتمنى من قلبى أن يكون طابور الصباح وتحية العلم المصرى من أهم طقوسها.
لقد عشت محاورًا فى «حديث المدينة» بعض هذه المدارس واكتشفت أن اللغة العربية لا تحظى باهتمام، يحدث هذا داخل مدرسة مصرية فى وطن يتكلم أهله «بالمصرى»، ولكن داخل أسوار هذه المدارس شىء آخر، وظنى أن الشعور القومى عند هؤلاء الشباب باهت وضعيف وربما غائب! إن مبادرتك يا سعادة السفيرة الوزيرة رائعة، لأنها حرب الهوية، وجدير بالذكر أنها لابد أن توجه للداخل قبل الخارج. نعم، لابد للدكتور طارق شوقى أن يُلزم هذه المدارس الأجنبية على أرض مصر- أكرر على أرض مصر- بأن يكون الانتماء حاضرًا، فهؤلاء أولاد وبنات مصر، والذى تعلمته يا سعادة السفيرة الوزيرة «أن اللسان سفير الوجدان»، فإذا كان اللسان يلوك لغات أجنبية، ففى الغالب يكون الوجدان تابعًا له، وتفهمين بذكائك اللماح ما أقصد وأضمره!
نقلا عن المصرى اليوم