د. محمد طه
دكتور.. هاكون شاكرة جدا ليك لو رديت على رسالتى دى بأى حاجة.. بأى نصيحة..
مشكلتى باختصار هو بابا.. احنا خمس أخوات، وأنا البنت التانية بعد الكبيرة، وعندى ٢٠ سنة.. بابا بخيل وما بيصرفش علينا، أو بيصرف علينا بالعافية، هو ربنا مديله الحمد لله ومعاه (ده كان هايدخلنى كلية خاصة بس أنا صممت ورفضت عشان عارفة إننا مش هنستحمل وضع أضيق من كده والقرار كان واخده بدون أى إحساس بالمسئولية تجاه أخواتى التانيين لمجرد الفشخرة وبس).
معندهوش أى إحساس بالمسئولية تجاهنا، ولما يجيبلنا حاجة أو يدفع مصاريف سكن الكلية مثلا يقعد يشتكى دايما، ولما نطلب منه حاجات بسيطة طبيعية زى أكل أو لبس يشتكى ويدعى إنه مضغوط، ومش بيسيب مصروف ف البيت.. إحنا وصلنا لمرحلة إننا لما بنطلب منه حاجة طبيعية بنحس بالذنب.
ماما تعبت من طبعه وكذا مرة تسيب البيت لنفس السبب بس أعمامى بيرجعوا يصالحوهم، وبابا بيقول إنه هايتغير ومش هايهينها تانى بس مش بيحصل.. ده كمان مفيش معاملة كويسة منه لماما فوق ده كله، ودايما تقولنا اطلبوا منه أى حاجة ده حقكم، هو أبوكم، وبتتهمنا بالسلبية لأننا مبنقدرش نوقف إهانته ليها، وبنعافر معاه بس طبعا مفيش طبع بيتغير.
أنا تعبانة وبيتى بقى مكان صعب، بابقى عايزة أروح فى أى حته أرتاح مؤقتا، عايزة أبعد بس فى نفس الوقت مش عارفة مابقاش سلبية. أنا متوجعة زى ما ماما متوجعة بالظبط. هى فاكرانا مش حاسين بيها. اللى أنا عارفاه والطبيعى إن الأب هو اللى يربى أولاده مش أولاده اللى يربوه. إزاى أوازن بين دورى فى الموقف ده وبين مشاعرى الموجوعة وبين احتياجى لأب سوى وبيئة صحية؟ أنا مابعرفش أواجهه للأسف وبميل للكتمان.
أرجوك قولى أو طمنى بأن فيه حل للى بيحصل، وإنى من حقى أبكى وأتوجع وأصرخ وآخد وقتى، وإن محدش يتفه من مشاعرى أو يقولى إن الطبيعى إنى مابقاش ملحة فى طلباتى المادية من بابا، لأنه صعب عليا أتحط فى وضع غير الطبيعى.
ــ أختى العزيزة..
تألمت جدا لحكايتك..
عارفة إيه أكتر حاجة مؤلمة فى قصتك؟ مش بخل أبوكى (كما تصفين)، ومش قلة إحساسه بالمسئولية، ومش إهانته الشديدة ليكى ولأخواتك ووالدتك.. رغم إن كل ده مش مقبول طبعا..
أكتر ما يؤلم هو موقف والدتك.. اللى مش بس ارتضت لنفسها سوء المعاملة، ومش بس سمحت ولا زالت تسمح بالإهانة، لا.. دى كمان بتحملك أنتى وأخواتك ذنب عدم الدفاع عنها، وأخذ حقها.. بتشيلكم شيلتها، وتحملكم مسئوليتها، وتنتظر منكم لعب دور المنقذ.. مع كل التقدير والتفهم لمعاناتها بالطبع.
أنا مش هاعمل تحليل نفسى لوالدك ولا ليكى.. الموقف لا يحتمل.. لكنى هانصحك بعض النصائح:
دورى على شغل، اشتغلى واصرفى على نفسك، وتكفلى بها تماما.
والدك ــ بهذا الوصف ــ مالهوش عليكى غير (وصاحبهما فى الدنيا معروفا).
أوعى تنزلقى فى دور المنقذ لوالدتك.. والدتك مسئولة عن نفسها وعن اختياراتها فى الحياة.. قرار الزواج من شخص ما ليس قرار بالمؤبد.. بل قرار يمكن تجديده أو التراجع عنه كل يوم.. والدتك بتختار والدك كل يوم من أول وجديد.. وبتوافق على الرجوع ليه بعد الإهانة وسوء المعاملة.. وبغض النظر عن أسباب ومبررات ذلك.. فوالدتك محتاجة تتعالج (لو أرادت).. وإنتى مش معالجة نفسية.. ومش إخصائية اجتماعية.
من حقك تبكى.. من حقك تتوجعى وتتألمى وتاخدى وقتك.. من حقك محدش يتفه من مشاعرك.
البعد عن بيئة سامة Toxic Environment مش سلبية.. بالعكس.. هو قطع حاد وحاسم لدوائر لا تنتهى من الأذى والاستغلال والابتزاز العاطفى.
أوعى تدورى على أب فى أى راجل ترتبطى بيه.. اقبلى ــ وبكل أسف وألم ــ إن احتياجاتك الإنسانية الطبيعية من أبيكى لم تلبى ولم تشبع.. اتونسى بالناس.. خلى ليكى دواير من الأصحاب والمعارف.. اتعلمى حاجات جديدة كل يوم.. لكن ماتدوريش على إشباع احتياجات الأب من أى شخص آخر.. تبقى بتظلميه وتظلمى نفسك.
جراحك وآلامك هم جزء أصيل من رحلتك فى الحياة.. إحنا بنكبر من خلال الألم.. وبننضج نفسيا عن طريق الألم.. وبتكتشف نفسنا بالألم. جراحك هى جراح شريفة.. تستحق الاحترام.. والتقدير.. وكل الفخر..
ربنا معاكى..
نقلا عن الشروق