عزة كامل
احتفل مؤخرا العالم بيوم الفتاة العالمى، وانشغل مستخدمو التواصل الاجتماعى بقصة فتاة الإسكندرية التى هربت من منزلها بعد تعرضها للضرب من والدها، وبالطبع وُجّهت للفتاة سلسلة من التوبيخات واللوم والتقريع على تصرفها، وتم التغاضى عن العنف الذى مورس عليها.
عقدة القهر، وقلق القمع يشكلان جزءا كبيرا من حياة الأبناء النفسية، ومرحلة القهر تعمل على تحقير الذات، وتحط من شأنها، وحتمًا ستؤدى إلى ممارسة العدوانية المكبوتة من المقهور نفسه، عدوانية على أقرانه وشركائه فى القهر، يتماهى بقيم المتسلط نفسه وأسلوبه، وتعرف بعلاقة «سادومازوشية».
صورة الأب القاسى المتسلط تفجر كوامن العدوانية عند الأبناء، على شكل عنف قد يصل إلى القتل أو الحرق أو الانتقام منه بشتى الطرق، أو الهروب من المنزل للبحث عن مأوى أكثر أمانا، وفى مجتمعنا الذكورى يقع القهر الأكبر على البنت والمرأة، فهى ملامة دائما ومراقبة ومقموعة، وبالتالى مشكوك فى سلوكها.
وهذا يعنى أن جسد المرأة عورة، ويجب تطويقه وترويضه وقمعه، لأنه مصدر الشرف والعار كما يرون، القسوة الزائدة والتوبيخ الدائم والشدة والصرامة وعدم تفهم الاحتياجات العامة والخاصة للأبناء وغياب الحوار البناء، كل ذلك يخلق أشكالا عديدة من الجفاء، ويجعل الأبناء لا يثقون فى أحد، ويحجمون عن البوح للآباء بأسرارهم.
العنف يؤدى إلى الانعزالية، واللجوء لأماكن وأشخاص آخرين لطلب الأمان، البيت يجب أن يكون مكانًا آمنًا وليس سجنًا للقمع وسلب الحريات، فالإنسان المقهور يظل يسمع صوت الصفعات ترن فى أذنيه، وعلامات الضرب تنتشر فى جسده حتى لو زالت آثارها بمرور السنين، والحرمان من الحرية يظل هاجسًا دائمًا لديه من عدم التمتع بها، فالقهر يؤلم الروح، ويملأ النفس بالأسى والمرارة، ويؤدى إلى خلق نفسية مشوهة ومأزومة.
إذن لا مفر من أن تحبوا أبناءكم، ارتبطوا بهم، لتصبحوا جزءا من حياتهم اليومية، وتعلموا قواعد التواصل والحوار الصحّى معهم، وكذلك كيفية التوجيه والمساعدة السليمة، والمبنية على العطاء والثقة.
ولا يسعنى هنا إلا أن أستعين بكلمات جبران خليل جبران، العبقرية التى تلخص علاقتنا بأبنائنا: «أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكا لكم، أنتم تستطيعون أن تمنحوا محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارهم الخاصة بهم، وفى طاقتكم أن تضعوا المساكن لأجسادكم، ولكن نفوسهم لا تقطن فى مساكنكم، فهى تقطن فى مسجد الغد».
نقلا عن المصرى اليوم