د.عبدالخالق حسين
منذ الأيام الأولى من حملة ضرب البعثات الدبلوماسية الأجنبية بالصواريخ ببغداد، كنا واثقين أن المليشيات العراقية الموالية لإيران هي وراء هذه الاعتداءات الأثيمة المخالفة لكل الشرائع السماوية والقوانين الدولية. ولكن استمرت قيادات هذه المليشيات، وجيوشها الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تنكر دور هذه المليشيات، وتطالبنا بالدليل الشرعي، وتطلق عليها (الحشد الشعبي المقدس)، وأي انتقاد لها هو انتقاد للمقدس.
بينما أكد الواقع أن هذه المليشيات لا يمكن اعتبارها من الحشد الشعبي، لأن الحشد الشعبي الحقيقي تأسس استجابة لفتوى الجهاد الكفائي لسماحة الإمام السيد علي السيستاني عام 2014 بعد أن وصلت عصابات داعش إلى تخوم بغداد وأربيل. وقد تم دمجه بالقوات المسلحة التي تأتمر بأوامر رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وصدر بحقه قانون من البرلمان.
أما المليشيات المسلحة المنفلتة مثل (كتائب حزب الله العراقي) و(عصائب أهل الحق) وغيرهما كثير، فلا يمكن اعتبارها من الحشد، لأنها تأسست بأوامر وتمويل من دولة مجاورة (إيران)، وهي موالية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتعتبر امتداداً لحرس الثورة الإيراني، وتضرب مؤسسات الدولة العراقية، إضافة إلى ضربها السفارات الأجنبية بالصواريخ، الجرائم التي أحرجت موقف الحكومة العراقية في العالم وأدانتها.
وقد حذرنا في مقالنا السابق الموسوم: (مخاطر قصف السفارات في العراق)(1) من مغبة هذه الأعمال الصبيانية اللامسؤولة التي من شأنها إنزال المزيد من الويلات والكوارث على الشعب العراقي، فراح أنصار إيران يتهموننا بالعمالة والانبطاح لأمريكا وإسرائيل.
و أخيراً، من فمك أدينك، فقد اعترفت قيادة (كتائب حزب الله العراقي)، بدورها في هذه الجرائم التي اعتبرتها عملاً جهادياً ووطنياً شريفاً، فقد جاء في الأنباء: ((أعلنت "كتائب حزب الله" العراقية أن فصائل المقاومة وافقت على ما سمته "هدنة مشروطة" في الهجمات على القوات الأمريكية في البلاد. وأكد المتحدث باسم "كتائب حزب الله"، محمد محيي، في حديث لوكالة "رويترز" اليوم الأحد [11/10/2020]، أن الاتفاق على تعليق الهجمات على أهداف أمريكية يشمل كافة فصائل المقاومة في العراق، وخاصة تلك التي ربما تستهدف أيضا القوات الأمريكية.))(2)
فماذا نريد من دليل أكثر من هذه التصريحات لنعرف أن المليشيات الموالية لإيران هي وراء ضرب السفارات الأجنبية وخاصة الأمريكية. وقد ذكرنا مراراً وتكراراً، أن القوات الأمريكية المتواجدة في العراق هي ضيوف على الدولة العراقية، بدعوة من الحكومة العراقية برئاسة الدكتور حيدر العبادي بعد احتلال (داعش) للمحافظات الغربية عام 2014، ولدعم القوات العراقية في حربها على تلك العصابات الإرهابية، ولذلك فهذه القوات هي ضيوف وليست قوات احتلال.
لا شك أن هذه المليشيات هي متمردة على الحكومة العراقية، وتأتمر بأوامر المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية الإسلامية، وليست بإمرة القائد العام للقوات المسلحة العراقي. فهي تعيث فساداً في أمن البلاد والعباد، وفي هذا الخصوص يتساءل الأستاذ طعمة السعدي في مقاله القيم (الرابط في الهامش)(3)، ما يلي:
(أمّا ألحالة ألأمنية فإنني أسأل ألحكومة ألإيرانية سؤالاً عليها أن تجيبني عليه، و أحلفها بدم سيد ألشهداء أبي عبدألله ألحسين عليه ألسلام، هل ترضين أن يكون للعراق فصيلاً أو فصائل مسلحة تعمل في طهران وغيرها من ألمدن الإيرانية، وتأتمر بأوامر ألحكومة العراقية، أو ألمرجعية ألشيعية ألرشيدة في النجف الأشرف؟ أجيبونا إن كنتم منصفين و صادقين يا أولي ألألباب. لا شكّ أن جوابكم سيكون بالنفي. إذن بأي حق دعمتم وتدعمون فصائل مسلحة خارجة عن ألقانون ارتكبت كل أصناف الجرائم، و تسببت بقتل آلاف ألعراقيين، واستولت على بيوت المواطنين وصادرتها بالقوة و ألتهديد ، ولم يسلم منهم حتّى ألمستأجرين فأجبروهم على ترك ألبيوت التي تروق لأفراد هذه ألعصابات، و الميليشيات من سكنة ألصرائف و جماهير خلف ألسدة سابقاً الذين نهبوا ألبلاد و روّعوا العباد، وزوروا ألوثائق في سوقهم، سوق مريدي، و فرضوا الإتاوات و اختطفوا المواطنين مقابل عشرات ألآلاف من ألدولارات لإطلاق كل مختطف، و سيطروا على ألمنافذ ألحدودية ووارداتها، وغير ذلك مما لا يحصى من ألمخالفات ألقانونية والجرائم طوال 17 عاماً؟ هل يرضى ألله و رسوله وأهل ألبيت عليهم ألسلام الذين تدّعونَ (وتظنّون) أنكم تقتدون بهم أمام ألمغفلين بهذه ألأفعال يا (آيات ألله)؟(3) انتهى الاقتباس.
وبناءً على كل ما تقدم، بات واضحاً للقاصي والداني، بما لا يقبل أي شك أو تأويل، أن المليشيات المسلحة العراقية الموالية لإيران هي التي تضرب السفارات الأجنبية، وخاصة الأمريكية وقواتها في العراق، وهي خارجة عن القانون، وضد سياسة الدولة العراقية، ومصلحة الشعب العراقي، ولا تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، بل تستلم أوامرها من دولة أجنبية، وتساهم بالفلتان الأمني، وحتى ضد المرجعية الدينية في النجف الأشرف المتمثلة بالإمام السيستاني.
لذلك نهيب بالسيد مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، بالسير قدماً في مشروعه الوطني، بعزل هذه المليشيات عن الحشد الشعبي، وحلها، وحصر السلاح بيد الدولة فقط، وقبل فوات الأوان. فهؤلاء يريدون تحويل الدولة العراقية إلى ما يسمى بـ(الدولة العميقة)، خاضعة لحكم العصابات المليشياوية التي تتلقى أوامرها من إيران.
يجب تحرير العراق من هذه العصابات قبل فوات الأوان.