يشهد معبد رمسيس الثاني "المعبد الكبير" بمدينة أبو سمبل في أسوان، بعد غد الخميس، ظاهرة فلكية تؤكد عبقرية قدماء المصريين، حيث تتعامد أشعة شروق الشمس علي قدس أقداس المعبد، بدءا من الساعة الخامسة و53 دقيقة صباحا وتستمر نحو 20 إلى 25 دقيقة.
وتجسد هذه الظاهرة الفلكية التي تحدث يومي 22 أكتوبر وفبراير من كل عام، التقدم العلمي للقدماء المصريين خاصة في علوم الفلك والعمارة، حيث كانت بمثابة رسالة فلكية لتنبيه الأهالي في الأقاليم البعيدة عن العاصمة المصرية القديمة بموسمي الزراعة والحصاد، لتقديم القرابين والهدايا للآلهة في المعبد، مما يؤكد أن تلك الظاهرة تمثل علاقة اقتصادية زراعية وفلكية عند المصريين القدماء، حيث يوافق يوم 22 أكتوبر بدء فصل الزراعة، ويوم 22 فبراير بدء فصل الحصاد عند القدماء المصريين.
وتبدأ تلك الظاهرة بسقوط أشعة الشمس على واجهة معبد رمسيس الثاني، والتي يبلغ ارتفاعها 33 مترا وعرضها 30 مترا، وارتفاع كل تمثال من التماثيل الأربعة في الواجهة 20 مترا، ويبدأ شروق الشمس عندما تتعانق الأشعة في البداية مع تماثيل للقرود تعلو واجهة المعبد، والبالغ عددها حاليا 16 قردا، ويرفع كل قرد ذراعيه لأعلى تحية للشمس المشرقة.
وعقب ذلك تهبط أشعة الشمس من القرود لتركز على إله الشمس المشرقة "رع حور أختي"، والمنحوت بهيئة أدمية ورأس صقر وعلى رأسه قرص الشمس، ويقف على الجانبين الملك رمسيس الثاني ويقدم قربان "الماعت"، ثم تهبط الأشعة إلى المدخل الرئيسي لتتسلل إلى المعبد لمسافة حوالي 48 مترا حتى تصل إلى قدس الأقداس، وتستمر ما بين 20 إلى 25 دقيقة، وترسم أشعة الشمس إطارا مستطيلا على تمثال الملك رمسيس الثاني في حجرة قدس الأقداس، وتتحرك ناحية اليمين تجاه تمثال الإله "رع حور أختي" حتى تختفي على هيئة خط رفيع مواز للساق اليمنى له، ثم تنسحب أشعة الشمس إلى الصالة الثانية، ثم الصالة الأولى، بالمعبد وتختفي بعد ذلك من داخل المعبد كله.
وعن التفسير العلمي لظاهرة التعامد، أوضح الدكتور جاد محمد القاضي رئيس المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن تلك الظاهرة تثبت عبقرية المصريين القدماء في علوم الفلك والعمارة، قائلا "إذا كان يومي تعامد الشمس مختارين ومحددين عمدا قبل عملية نحت المعبد فإن ذلك يستلزم معرفة تامة بأصول علم الفلك، بالإضافة إلى حسابات أخرى كثيرة منها تحديد زاوية الانحراف لمحور المعبد عن الشرق (موضع شروق الشمس)، بجانب المهارة في المعمار بأن يكون المحور المستقيم لمسافة أكثر من 60 مترا، ولا سيما أن المعبد منحوت في الصخر".
من جانبه، أكد الدكتور أشرف لطيف تادرس الأستاذ بالمعهد ورئيس قسم الفلك السابق أن ظاهرة تعامد آشعة الشمس على معبد رمسيس الثاني بأبو سمبل بأسوان، التي تتكرر يومي 22 أكتوبر وفبراير من كل عام، تؤكد الدراية الكاملة لقدماء المصريين بعلوم الفلك وبخاصة حركة الشمس الظاهرية في السماء.
وقال إن سبب تعامد أشعة الشمس على أى مكان على سطح الأرض يرجع إلى حقيقة فلكية مهمة، هى مسار الشمس الظاهرى خلال العام، فالأرض أثناء مسارها حول الشمس خلال العام الواحد تجعل أشعة الشمس تتعامد على أى مكان بعينه مرتين.
وأضاف أن المرة الأولى تحدث أثناء رحلتها حول الشمس من أقصى المدار (ذروة الشتاء في 21 ديسمبر) إلى أقصى المدار (ذروة الصيف فى 21 يونيو) مرورا بالاعتدال الربيعي ذهابا في 21 مارس، والثانية مثلها أثناء عودتها من أقصى المدار (ذروة الصيف في 21 يونيو) إلى أقصى المدار (ذروة الشتاء في 21 ديسمبر) مرورا بالاعتدال الخريفي إيابا في 21 سبتمبر.
وأوضح أن المسافة القوسية بين نقطة شروق الشمس وهي في أقصى المدار (شتاء أو صيفا) تبعد عن نقطة الشروق الأصلية بمقدار 23.5 درجة وهي ميل محور دوران الأرض، مما يؤكد العبقرية الفلكية لقدماء المصريين.
يذكر أن معبدي الملك رمسيس الثاني بأبوسمبل يعدان من أهم المعابد الصخرية في العالم، حيث نحتهما الملك رمسيس الثاني في جبلين يطلان على النيل في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وكرس أحدهما لنفسه والآخر لزوجته الملكة نفرتاري، وتم بناء المعبد الكبير عام 1275 ق. م واستغرق 19 عاما للانتهاء منه.
وتم اكتشاف معبدي أبوسمبل على يد الرحالة المستشرق السویسري یوھان لودفیج بوركھارت، في 22 مارس عام 1813، وقام بوركھارت بإبلاغ المستكشف الإیطالي جیوفاني بلزوني عن اكتشافه، واستناداً إلى وصف بوركھارت سافر بلزوني إلى أبو سمبل، وبدأ في إزالة الرمال التي كانت تغطي المعبدين، ودخل المعبد في عام 1817، وفي نفس العام توفي بوركھارت في القاھرة، ودفن في مقبرة باب النصر.
ويرجع الفضل لاكتشاف ظاهرة تعامد آشعة الشمس في أبو سمبل للروائية الإنجليزية إميليا إدواردز عام 1870 وسجلتها في كتابها "ألف ميل على النيل" وذلك عقب اكتشاف المعبدين.
وفي السابق كانت ظاهرة تعامد الشمس تحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير من كل عام، ولكن بعد بناء السد العالي ونقل المعبد إلى أعلى التلة المجاورة والمرتفعة حوالي 66 متراً فوق منسوب مياه نهر النيل تأخرت الظاهرة يوما كاملا في موعدها لتكون يوم 22 أكتوبر و22 فبراير من كل عام.