سليمان شفيق
كشف الرئيس إيمانويل ماكرون مساء اول امس الأربعاء في مقابلة أجراها معه التلفزيون الفرنسي عن إجراءات جديدة للحد من تفشي فيروس كورونا في وقت تشهد البلاد ارتفاعا يوميا ومقلقا في عدد الإصابات. وتضمنت تلك الإجراءات الإعلان عن تشديد إجراءات الوقاية في بعض المناطق أبرزها العاصمة باريس، وفرض حظر تجول ليلي في المدن الكبرى.
سجلت فرنسا الخميس رقما قياسيا جديدا بأعداد الإصابات اليومية بفيروس كورونا بلغ أكثر من 40 ألفا بالإضافة إلى 165 حالة وفاة جديدة، و لا يزال الوضع الصحي يتدهور في فرنسا مع تسجيل 41622 إصابة جديدة بفيروس كورونا في 24 ساعة أي أكثر بـ15 ألف حالة عن يوم أمس، في حصيلة يومية قياسية، وفقا لأرقام نشرتها الخميس هيئة الصحة العامة.
قد أعلن في وقت سابق رئيس الوزراء الفرنسي عن توسيع إجراءات حظر التجول من الساعة التاسعة مساء لغاية السادسة صباحا لتشمل 38 منطقة فرنسية جديدة، بالإضافة إلى منطقة في ما وراء البحار.
وحذر من أن "الأسابيع المقبلة ستكون قاسية وستخضع خدماتنا الاستشفائية لضغط شديد". وتوقع كذلك أن يكون شهر نوفمبر "مرهقا" وأن يواصل عدد الوفيات "ارتفاعه".
وسجّلت البلاد أكثر من 34 ألف وفاة جراء الإصابات بفيروس كورونا المستجد، ويخضع 2239 مريضا للعناية الصحية المركزة، في أعلى عدد منذ أيار/مايو. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن مساء الأربعاء 14 أكتوبر فرض حظر التجول الليلي، في باريس وثمان من المدن الكبرى.
كانت فرنسا قد سجلت منذ الاثنين الماضي أكثر من ألفي مريض بكوفيد-19 يتلقون العلاج في أقسام العناية الفائقة بالمستشفيات، في رقم لم تسجله البلاد منذ شهر مايو/أيار الماضي. وأدخل 269 مريضا تلك الأقسام في الساعات الأربع والعشرين الماضية فقط مقابل 147 مريضا في اليوم السابق له. كما بلغ عدد الوفيات اليومية بسبب الوباء 146 حالة ليرتفع إجمالي عدد الوفيات إلى 33623 شخصا منذ بداية تفشي الفيروس.
وبلغ عدد المصابين بالفيروس الذين يعانون من أشدّ عوارض المرض والراقدين حالياً في أقسام العناية المركّزة 2090 مريضاً. وأظهرت البيانات الرسمية أنّه خلال الساعات الـ 24 ساعة الماضية أُدخل 269 مصاباً بفيروس كورونا المستجدّ أقسام العناية المركّزة (مقابل 147 مصاباً يوم الأحد). وبذلك يرتفع إلى 1441 مريضاً عدد الذين أدخلوا في غضون أسبوع أقسام العناية الفائقة
والمرّة الأخيرة التي تخطّى فيها عدد المرضى الذين استدعت خطورة حالتهم إدخالهم أقسام العناية المركزة في فرنسا عتبة الألفي مريض تعود إلى منتصف أيار/مايو. وفي ذروة الوباء في أبريل تخطّى عدد مرضى كوفيد-19 في أقسام العناية المركزة السبعة آلاف مريض، لكنّ هذا العدد ما لبث أن تراجع بقوة وظلّ كذلك لغاية نهاية يوليو حين عاود الارتفاع تدريجياً
وسجّلت فرنسا خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة 13.243 إصابة جديدة بالجائحة.
وتتطلع الحكومة إلى إقرار قيود على التنقلات، والتجمعات أو على فتح مرافق ومنشآت حتى الأول من ابريل 2021 على الأقل، ستشمل كامل الأراضي الوطنية أو جزءا منها وفقا للوضع الوبائي القائم.
غالبية الفرنسيين يعتقدون بأن الأقنعة الواقية تمنع من الإصابة بوباء كوفيد-19. لكن ثمة من يرى بأن هذه الكمامات ليست إلا "أغلالا" من أجل "استعباد" الناس، وينظمون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي للتنديد بما يسمونه "بالدكتاتورية الصحية". فرانس24 تحدثت مع العديد منهم للتعرف أكثر على أهدافهم ودوافعهم
هذا، وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد أوديكسا/دانتسو في نهاية شهر أغسطس الماضي "أن حوالي 25 بالمئة من الفرنسيين فقط يعارضون فكرة ارتداء الكمامة الواقية في حين يساندها 75 بالمئة.
أعداد الفرنسيين الرافضين لارتداء الكمامات الواقية ضئيلة جدا. لكن رغم ذلك، فلقد نظموا في أواخر أغسطس الماضي مسيرة احتجاجية بباريس ورفعوا شعار "حرية" "حرية". لكن بالمقابل عدد المشاركين في تجمع مماثل ببرلين في مطلع أغسطس أكبر بكثير إذ وصل إلى 20 ألف شخص، ما جعلهم يكونون سلسلة بشرية كبيرة على الحدود مع سويسرا.
ويقول أنطوان بريستيال من "مؤسسة جان جوريس" "إن التعبئة التي نظموها المناهضين لارتداء الكمامات الواقية على مواقع التواصل الاجتماعي لم تأت بثمارها لغاية الآن. لكن بإمكانها أن تتطور أكثر في المستقبل، شأنها شأن حركة السترات الصفراء".
ويصف هذا المتخصص في العلوم الاقتصادية والذي قام برصد آراء 1000 شخص معاديين لارتداء الكمامات بأن "غالبيتهم هم نساء ورجال يتعدى عمرهم الخمسين سنة، ينتمون إلى طبقة اجتماعية مثقفة وغالبتهم من التيار اليميني، عكس السترات الصفراء الذين هم عموما من اليسار. كما "أنهم يطالبون بحرية أكثر وبالمساواة.
فقدان الثقة في مؤسسات الدولة
هذا، ويستخدم المعارضون للأقنعة الواقية بإفراط مواقع التواصل الاجتماعي ويتناقشون فيما بينهم من أجل إقناع أشخاص آخرين بأفكارهم. ومن بين هذه الأفكار، تلك التي تزعم بأن "الفيروس يمر عبر الكمامة " أو "الكمامة تمنعنا من التنفس بشكل جيد ومن تبديل الهواء في الرئتين".
هذا التفكير يترجم مدى نقص الثقة الموضوعة في مؤسسات الدولة وفي الخطابات السياسية، يقول أنطوان بريستيال. وأضاف "مجموعات فيس بوك تنشط كفضاءات مغلقة لا تسمح بمعرفة آراء الآخرين. لكن بالمقابل، هم مستعدون لاحتضان أي شخص يتقاسم معهم مواقفهم وآراءهم، بما فيها أصحاب نظريات المؤامرة".
هذا، وتشير دراسة أن 63 بالمئة من المستطلعين يصدقون نصف نظريات المؤامرة التي تطرح لهم. ومن بين هذه النظريات تلك التي تزعم بأن وباء و تم صنعه من قبل الصين، لخوض حرب عالمية جرثومية ثالثة ضد باقي سكان العالم.
خطة إعلامية مترددة
ويرى المناهضون لارتداء الكمامات الواقية بأنه توجد رهانات سياسية تقف وراء استخدام هذه الكمامات. فمثلا مانويلا تعتقد أن الدولة تجني أرباحا باهظة من بيع هذه الكمامات.
وفيما يخص هذه النقطة بالتحديد، اعترف الباحث أن "استراتيجية التوعية التي اتبعتها الحكومة الفرنسية اتسمت بنوع من التردد، الأمر الذي زاد من قناعة المناهضين لارتداء الأقنعة الواقية
وأضافت سولين "الإجراءات الحكومية أخذت حيزا كبيرا في حياة الفرنسيين وأصبحت تقريبا "غير منطقية". فيما تعتقد أن الهدف وراء ارتداء الكمامة بشكل إجباري هو مراقبة السكان وتقليص الحريات الفردية.
وتساءلت: "بأي حق أو على أساس أي قانون نترك المسنين يموتون في عزلة تامة؟ وبمقتضى أي قانون نمنع التقاء العائلات"، منتقدة في الوقت نفسه "لوحات الإعلان التي تلقي بالذنب على الأحفاد الصغار الذي يريدون زيارة المسنين".
كثيرون هم من يدعون إلى مقاومة هذه "الدكتاتورية الصحية"، لكي لا يتحولون إلى "أكباش" حسب بعض التعليقات على فيس بوك
فما هو يا ترى مستقبل المناهضين للكمامات الواقية؟ فبينما سيتم تنظيم تجمعين في منطقة "نورماندي" ومدينة ليون في شهر أكتوبر الأول الجاري، نلاحظ انضمام بعض الفرنسيين الذين يعانون من آثار كوفيد السلبية على وظيفتهم مثل مالكي المطاعم والمقاهي إلى الرافضين لوضع الكمامات.