عصام عاشور
نهر النيل يمر من منبعه إلى مصبه بعشرة دول لكنه لم يعبد ولم يمجد ولم يغنى له إلا فى مصر لذلك فإن حابى هبة المصريين وليس العكس وهو نهر النيل الذى يشكل ظاهرة جغرافية فريدة فى شمال أفريقيا فهو الوحيد الذى إستطاع أن يشق طريقه فيها وأن يحمل جزءا من مياه أفريقيا الإستوائية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قفار الصحراء الكبرى وهو يعتبر من أطول أنهار العالم حيث يبلغ طوله حوالى ٦٨٥٠ كيلومتر من المنبع فى الجنوب الشرقى للقارة الأفريقية وحتى البحر الأبيض المتوسط وبالتالى فهو يجرى من الجنوب إلى الشمال فى استقامة.
شبه تامة وبظاهرة لا نظير لها بين أنهارالعالم أما إيراده من الماء فيختلف من عام لأخر هذا وقد بلغ متوسط إيراده السنوى خلال القرن العشرين مقدرا عند أسوان ب ٨٤ مليار متر مكعب وتتجمع مياه نهر النيل من ثلاثة أحواض رئيسية الأول: حوض الهضبة الأثيوبية وتمده بنحو ٨٥% من إيراده السنوى أى ٧١ مليار متر مكعب أما الثانى فهو حوض الهضبة الإستوائية وهو الحوض الأكثر انتظاما في إمداد النيل بالمياه على مدار السنة وايراده السنوى ١٣ مليار متر مكعب مقدرة عند أسوان والحوض الثالث: وهو حوض بحر الغزال وهو مجموعة من الأنهار الصغيرة وإيراده السنوى ١١٥ مليار متر مكعب إلا أن ما يصل منه إلى النيل لا يتعدى نصف مليار متر مكعب حيث يفقد الباقى فى المستنقعات.
القدماء المصريين يعتقدون أن النيل مركز العالم وأن منبعه هو بداية العالم ولذك كانت قبلتهم نحو الجنوب وكان المصرى القديم فى تقربه إلى النعيم(الله) أمام محكمة الموتى يقسم : بأنه لم يلوث مياه النيل قط
كذلك قال فرعون موسى حينما أراد أن يتفاخر على بنى اسرائيل بأن له ملك مصر قال " وهذه الأنهار تجرى من تحت " يقصد نهر النيل وأفرعه وحين خاطب اخناتون أتون الإله الأعظم قال :
وانت تخرجه (النيل) بأمرك فتحفظ به الناس يا إله الجميع حين يتسرب إليهم الضعف يا رب كل منزل، يا من تخشاه البلاد القاصية
انت موجد حياتهم انت الذى خلقت فى السماء نيلا لكى ينزل عليهم ولهم يتساقط الفيضان على الجبال كالبحر الزاخر فيسقى مزارعهم وسط ديارهم
ما أبدع تدابيرك يا إله الأبدية
فى السماء نيل للأمم الغربية
ولماشية البلاد الأحرى ودوابها ولكل ما يمشى على رجلين
أما النيل الذى يروى مصر فإنه يجئ من باطن الأرض
الأمن المائى
تعتمد مصر فى أمنها المائى وبنسبة أكثر من ٩٧% على مورد مائى واحد عابر للحدود ممثلا في نهر النيل ومصر هى الدولة الوحيدة فى حوض نهر النيل التى تعتمد اعتمادا كليا على نهر النيل كمصدر للحياة والتنمية وبالتالى فإن أى تحكم فى مياه النيل يعتبر تهديدا كاملا للأمن المائى المصرى وهو ما يعنى فى المقام الأول التحكم فى مصر ومقدراتها بل ومستقبلها.. ولما كانت إثيوبيا دولة منبع النيل الأزرق الذى يمد مصر بحوالى ٨٥% من المياه من هنا تأتى الأهمية وبالتالى فإن أبسط مفهوم للأمن المائى والذى تعارفت عليه البشرية من قديم هو توفير الإحتياجات المائية للمجتمع وسكانه بصورة دائمة ومستمرة وبتطور المجتمعات وتطور احتياجاتها تطور مفهوم الأمن المائى ليشمل بجانب توفير الماء وديمومة تواجده توظيف الموارد المائية لخدمة أغراض التنمية عن طريق إقامة المشروعات مثل مشروعات توليد الكهرباء وأيضا خلق مجتمعات عمرانية جديدة.
تاريخ السدود على النيل الأزرق
كما ذكرت أكثر من مرة أن فكرة المؤامرة ليست بعيدة عن التاريخ لكن هنا سأترك للقارئ أن يحكم:
١- عقب ثورة ١٩١٩ عمل الإنجليز على النكاية بالمصريين بالسماح ببناء سد "سنار" على النيل الأزرق بالسودان عام ١٩٢٥
٢- عقب إعلان مصر عن إنشاء "السد العالى" بمساعدة الإتحاد السوفيتى بعد رفض الأمريكان تمويله عملت على إفشال المشروع بعمل مخطط لاثيوبيا عام ١٩٦٤ عبارة عن إقامة ٣٣ منشأ مائى على النيل الأزرق وروافده منهم أربعة سدود تبلغ سعتهم الإجمالية ٧٢ مليار متر مكعب من المياه (هذا المخطط يمثل الأساس لسد النهضة الإثيوبي الحالى)
٤- فى نهاية تسعينات القرن الماضي ظهر مشروع "مبادرة حوض النيل" الذى يديره البنك الدولى وتموله العديد من الدول الغربية والذى تم من خلاله بناء سدى "تاكيزى و تانابليس" على النيل الأزرق
٥- توقيع دول منبع النيل على إتفاقية "عنتيبى" والتى لا تقر بالحصص المائية الثابتة لكل من مصر و السودان.
(السد الإثيوبي )
هو سد يقع على النيل الأزرق بولاية بنيشنقول قماز بالقرب من الحدود الاثيوبية/السودانية بمسافة تتراوح بين ٢٠-٣٠ كيلو متر وقد بدأت فكرة هذا السد على أساس إقامة سدا مائيا بإسم "إكس" بسعة ٦٠مليار متر مكعب من المياه وفى نفس موقع سد الحدود "بوردر"والذى كانت سعته حتى نهاية سنة ٢٠١٠ هى ٥١٤ مليار متر مكعب من المياه !!! وفى ٢ أبريل ٢٠١١ تغيرت الخطة ليتم وضع حجر الأساس وتغيير إسم السد إلى سد "الألفية" بسعة ٦٠مليار متر مكعب من المياه ثم يتم تغيير إسم السد للمرة الثالثة ليصبح إسمه سد "النهضة مع زيادة سعته التخزينية إلى ٧٤ مليار متر مكعب من المياه !!! وعلينا هنا أن نلاحظ أن هذه السعة تساوى الحصة التاريخية لكل من مصر و السودان !!!
(فهل كل ما تقدم يشى بشئ؟) .. ربما