الأقباط متحدون | ثقافة الموت في فكرنا العربي
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٣:٤٥ | الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٢ | ٤ بؤونة ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٨٨ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

ثقافة الموت في فكرنا العربي

الاثنين ١١ يونيو ٢٠١٢ - ٥٩: ٠٢ م +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

 بقلم- منير بشاي

عندما يأتي فصل الربيع، ينتشر في الجو عبيق الزهور التي تتفتح بألوانها البديعة فتبهج النفس، ولكن لا أدرى لماذا ما يسمى بالربيع العربي أصبح يطغي عليه لون الدم الذي يروع الأنظار، ويفوح منه رائحة الموت التي تزكم الأنوف؟
 
عندما هبت على منطقة الشرق الأوسط رياح ما يُسمى بالربيع العربي، استبشر الناس خيرًا.. لقد ظنوا أن الخير قادم بعد القضاء على الطغاة والمفسدين، ولكن ها نحن في منتصف العام الثاني منذ بداية الربيع العربي، وبعد استحواذ جماعات الإسلام السياسي على مقاليد الحكم، مازلنا ننتظر التغيير للأفضل، فنجده سرابًا أبعد مما كان يوم بدأنا.
 
ثم اكتشفنا أننا أمام ثقافة جديدة انتشرت في فكرنا العربي انتشار النار في الهشيم، وهي ثقافة الموت. هذه الثقافة تكره الحياة، وتمجد الموت، وتقدمه على أنه إرادة الله والحل لكل ما يعانيه المجتمع من ويلات.
 
وهي ثقافة ليست وليدة اليوم، ولكنها ظلت تتمخض بها جماعات الإسلام السياسي، وروّعت بها المجتمع المصري والعالمي على مدى 9 عقود منذ ظهور جماعة الإخوان المسلمين الأم الشرعية التي خرجت من رحمها كل هذه الجماعات.
 
أساسًا تظهر ثقافة الموت واضحة من شعار الإخوان، وهو "الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا"، ثم تتضح في الخاتمة التي تقول: "والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، وهي خاتمة تكشف الكثير عن فلسفتهم بأن الموت ليس مجرد تضحية هم على استعداد أن يقدموها في سبيل الله، بل هي أمنية يحلمون بتحقيقها. لقد تحول الموت من مجرد وسيلة للدفاع المشروع عن النفس والوطن إلى أسمى غاية لهم  في الوجود.
 
وصلني مؤخرًا فيديو كليب قادم من "السعودية" عن مزاد علني أقيم في أحد الفنادق هناك لرجل يبيع ابنه ليصبح انتحاريًا في يد من يدفع الثمن. وقف الأب واسمه "أبو صالح" إلى جوار ابنه الشاب الذي يبدو أنه في بداية العشرينات، وبدأ المزاد بمبلغ (200) ألف ريال سعودي كبداية للمزايدة، واستمرت المزايدة ببطء بواقع (50) ألف ريال أو (100) ألف ريال، في كل مرة يرفضها مدير المزاد على أنها لا تساوي مقدار تضحية هذا الأب بابنه، وتستمر المزايدات إلى أن تصل إلى المليون ريال، وهنا يسمع تصفيق يدوي في القاعة وسط صيحات الجمهور: الله أكبر. ولكن المزاد يستمر إلى أن يعرض أحدهم مبلغ مليون ونصف ثمنًا لحياة الشاب، وهنا يزداد الهتاف والصراخ ويقول مدير المزاد: مليون ونص.. هل يوجد من يزايد؟ ألا أونا ألا دو ألا ترى.. مبروك عليك.. فزت بالمزاد!! أما "أبو صالح" فيحمله الجمهور على الأكتاف كالبطل الذي قدم ابنه ليموت في عملية انتحارية في مكان ما في "سوريا".
 
وتساءلت: هل في هذا استغلال لحالة الفقر التي يعانيها "أبو صالح" ومن مثله وهم كثيرون في وطننا العربي؟ وهل لو لم يكن هناك هذا الحافز المالي، الذي سيتحول به "أبو صالح" من رجل معدم إلى ثري بين يوم وليلة، هل كان سيقبل "أبو صالح" التضحية بابنه؟ ووجدت نفسي أتفهم من لعن الفقر ومن قال لو كان الفقر رجلاً لقتلته، وتعجبت هل أصبح سعر الإنسان يقدر بمليون أو مليون ونصف من الريالات؟ وتذكرت قول السيد المسيح: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟".
 
ومنذ بضعة أيام، جاءتني رسالة بعنوان "زوجة الظواهري تبشر: الربيع العربي سيصبح ربيعًا إسلاميًا"، وفيها تبعث السيدة "أميمة حسن"- زوجة زعيم تنظيم القاعدة- رسالة إلى نساء المسلمين في العالم العربي، كامرأة وجدت نفسها فجأة زعيمة لمجرد أنها تزوجت زعيم القاعدة الإرهابي. قالت في رسالتها: "أهنىء كل نساء العالم المسلمات بهذه الثورات المباركات. حقا إنها الربيع العربي، وعما قريب سيصبح ربيعًا إسلاميًا، ولن يعود الخريف على الأمة المسلمة مرة ثانية"، ولضيق المساحة نأتي إلى خاتمة رسالتها، حيث قالت: "وصيتي لكن أخواتي أن تربين أولادكن على حب الجهاد والشهادة، وتغرسن فيهن حب الدين وحب الموت في سبيل الله"، والخاتمة تعبر أصدق التعبير عن ثقافة الموت التي تطالب "أميمة" كل أم أن تبثها في أولادها، وهي ليس مجرد غرس الاستعداد للتضحية حتى الموت، ولكن غرس حب الموت في عقل الشباب، ويالها من نظرة قاتمة تعبر عن الكراهية للحياة يتم غرسها في أفكار الجيل الصاعد.
 
وبعد إصدار قانون العفو عن الإرهابيين من مجلس الشعب، من يدري، فقد يعود "أيمن الظواهري" إلى "مصر" ليقود تنظيم القاعدة من "القاهرة"!، وقد يتم انتخاب "الظواهري" رئيسًا لجمهورية مصر، وبذلك تصبح "أميمة حسن" سيدة مصر الأولى!.
 
وفي خطاب د. "صفوت حجازي" بـ"المحلة الكبرى" عن مشروع إقامة ما أسماه "الولايات المتحدة العربية"، وجدنا "حجازي" يستعرض ما سيفعله "مرسي" عندما يفوز على "شفيق"، وهو تحرير "القدس" وجعلها عاصمة دولة الخلافة الجديدة.
 
وفي خطابه، قاد "حجازي" الجماهير في هتافات مثل "عالقدس رايحين شهداء بالملايين"، و"من عيون كل اليهود طيروا النعاس يلا يا عشاق الشهادة كلكم حماس"، ومرة أخرى نسمع قيادي إخواني يتغزل في حب الموت تعبيرًا عن ثقافة الموت التي تفشت في تفكيرهم، فيصف الاستشهاد أنه "عشق الشهادة".
 
ثقافة الموت هذه لا تظهر في الاستعداد للموت في سبيل الله فقط، بل أيضًا في الاستعداد لقتل الآخر لنفس السبب. قد يكون هذا الآخر لم يؤذ المسلمين، أو يرتكب عدوانا ضدهم، ولكن مثلاً لمجرد اتهامه بالردة عن الإسلام. 
 
انتشر على الإنترنت مؤخرًا الفيديو القادم من "تونس" للشاب الذي اُتهم بالردة، وكيف أتوا به أمام الكاميرا مقيد اليدين والأقدام، وقرأوا عليه الحكم بالموت، ثم ذبحوه كما تُذبح النعاج. وبعدها بأيام جاءني فيديو آخر عن قسيس ذبحوه بنفس الطريقة، ولكن بعد رؤية الفيديو الأول لم أجد في نفسي المقدرة على مشاهدة هذا الفيديو الآخر.
 
يصور البعض ما يظنونه موتًا في سبيل الله على أنه ضرب من الشجاعة، وأرى أنه قد يكون نوعًا من الانتحار يهدف إلى الهروب الجبان من الحياة كوسيلة سهلة للتمتع بملذات وهمية في الآخرة. لقد صدق العلامة الإسلامي "ابن باز" حين قال: "الحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله"، فالموت لا يستغرق سوى لحظة من الزمن يقضي فيها الإنسان على نفسه وعلى غيره، أما الحياة فتستغرق العمر كله، يبذر فيها الإنسان بذور الحب والخير بين الناس، ويسعد عندما يتمكن من بث السعادة في قلب إنسان محتاج، أليس هذا أقرب إلى طبيعة الإله لأن الله محبة؟




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :