بقلم: محمود عرفات

 في العام 1918 إنتهت الحرب العالمية الاولى بإستسلام الدولة العثمانية و توقف حركات التحدث عن العمل لتبدأ في 1919 حرب الاستقلال بقيادة اتاتورك التي إنتهت في 1922 بتحرير تركيا من الاحتلال و اعلان الجمهورية 1923 لتبدأ حلقة جديدة من العلمنة في البلاد متواصلة مع تراث التنظيمات العثمانية المشار اليه بالمقال السابق.

يمكننا القول إبتداءً أن علمانية أتاتورك (الاتاتوركية 1923-1938)هي إمتداد للعلمنة العثمانية التنظيمات فكل الاجراءات الاتاتوركية واحدة من ثلاثة اجراءات:
 
-1- إجراءات تقوم بتطوير الذي تم في العهد العثماني مثل اختيار القانون الجنائي الايطالي و التجاري الالماني للحلول محل القوانين المقابلة في الدولة و التي هي قوانين اوروبية سلفاً فكانت إجراءات تطوير قوانين اوروبية عثمانية بقوانين اوروبية جديدة.
 
-2- إجراءات تحيي مشاريع قوانين طرحت إبان العهد العثماني في فترة التنظيمات و تم تجميدها او رفضها و على رأس هذا تحويل الابجدية الى اللاتينية التركية تأثراً بإنتقال شعوب اسيا التركية السوفيتية (تركمانستان - كزخستان - أذربيجان الخ) الى الابجدية اللاتينية الموحدة و كحل لمواجهة المشكلات اللغوية بالابجدية العربية و للتواصل مع اوروبا علمياً و ثقافياً ، كذلك إجراء هام هو وضع القانون المدني 1926 الموحد و الذي حل محل القوانين الاسلامية و المسيحية للحوال الشخصية و الاسرة و باقي الشئون المدنية فكان هذا الجانب من الاجراءات مفعل لما تم رفضه او تجميده.
 
-3- إجراءات مستحدثة تتعلق أساساً بالظرف السياسي مثل الغاء السلطنة 1922 و الخلافة 1924 و انشاء مؤسسات مدنية حديثة بديلة للمؤسسات العتيقة و على رأسها مؤسسات دينية و سياسية تابعة للخلافة مثل مؤسسة شيخ الاسلام.
 
لذا فالعلمنة الاتاتوركية هي إمتداد طبيعي للعلمنة العثمانية لا تخرج عنها الا في جواني الظرف السياسي فقط ، و قد ساعدت الغاء الخلافة و من قبلها السلطنة على التوسع في تفعيل رؤى التنظيمات و تطويرها بالشكل الحداثي ، إن اوراق الاسلام السياسي تحتشد بالكذب لضرب سمعة العلمنة الاتاتوركية كأن تدعي حظر الحجاب وقتها ( تم البدء في منعه جزئياً داخل المباني الحكومية 1980 و لم يعمم الا في 1998) و الادعاء بمنع الاذان و الصلاة و الحج و الاعياد الدينية الخ الخ ، و الجدير بالذكر أن اوراق الاسلام السياسي تتجاهل كليةً التنظيمات العثمانية و تحدق في الاتاتوركية في تزييف صريح للتاريخ المسطور بيد الخلافة الاسلامية نفسها.
 
يحضرني هنا موقف واضح لطبيعة العلمنة الاتاتوركية و تأثيرها في إشادة مصطفى النحاس باشا باتاتورك عام 1936 و دولته ووصفها بالمبتغى النهائي مما أثار حفيظة حسن البنا و دفعه لمهاجمة النحاس باشا ، هذه الاتاتوركية العثمانية المنشأ علمنة حديثة عصرية هزمت الاصولية مما دفع الاسلام السياسي لضرب سمعتها و حذف تاريخ عثمانيتها كاملة ، و لعل في ختام مقالي أرصد أهم ملامح العلمنة الاتاتوركية :
 
إنشاء الجمهورية و الغاء السلطنة 1923 ، الغاء الخلافة و مؤسساتها و استبدالها بمؤسسات مدنية 1924 ،توحيد التعليم في التعليم المدني ، الغاء الطرق الصوفية 1925 ، وضع القانون المدني التركي الجديد 1925 ، تحديث سلسلة القوانين التركية 1926 ، وضع الحرف اللاتيني التركي بديلا عن العربي و الفارسي 1928 ، وضع أسس حديثة للتعليم الجامعي على الغرار الالماني 1933 ، إتاحة حق المرأة في التصويت 1934 ، البدء في النظام الاقتصادي الحديث المستمد من المذهب الاشتراكي 1933 ، وضع مفهوم العلمانية بالدستور 1937.
 
* إلى هنا ينتهي الحديث في هذا الشأن بإختصار وجيز و نخلص منه الى أن العلمنة قرار الخلافة العثمانية الذي ورثته الجمهورية الكمالية و كانت و لا تزال أوراق الاسلام السياسي تتجاهل كليةً هذه الحقيقة التي آمنت بها الدولة العثمانية نفسها في القرن التاسع عشر..