بقلم: مصطفى عبيد
يشغلنا الصداع الوطنى والهم المصرى عن الجرح العربى المالح المتسع بطول سنين القهر فى سوريا الشقيقة ، لكن كما يقول الثائر المثالى تشى جيفارا : " فأينما كان الظلم فذلك موطنى " .
يتكرر التاريخ ... تدور عقارب الساعات الى الوراء ... يخرج أدولف هتلر وعيدى أمين وتشاوشيسكو من مزابل النسيان ليؤدوا أدوارهم فى تمثيلية مفزعة اسمها جحيم سوريا .
يرسب العالم المتمدن فى مادة الاخلاق ... تسقط الاحزاب والتيارات السياسية العربية من المحيط الى الخليج ... يقدم الشعراء استقالاتهم فشلا وعجزا عن إيقاف نزيف الدم ... يشرب الصهاينة كئوسا من النبيذ فى صحة القتلة ، ويدعون لهم بطول العمر وللعالم الصامت بمزيد من التجاهل والنسيان .
فى قرية القبير بريف حماة دخل البشاريون مساء الاربعاء يحملون بنادقهم وسكاكينهم واقتحموا المنازل وذبحوا الرجال أمام زوجاتهم ، ثم اغتصبوا النساء وأحرقوا بعضهن أحياء . فصلت روؤس بعض الاطفال عن اجسادهم وألقيت لتتدحرج على الارض أمام ذويهم .
صرخ الزعماء وأصحاب السترات الأنيقة فى عواصم الغرب والشرق : ندين ، ونرفض . كتب بعض الساسة والمفكرين العرب بيانات شجب من مكاتبهم المكيفة . حذر كوفى أنان السفاح السورى ، واستغلت الانظمة الغربية المجزرة لتصب اتهاماتها على إيران ، وبات أهالى 78 ضحية راحت فى القبير يحلمون بموت سريع وحساب عاجل أمام الملك العدل .
تحدثنى الشاعرة السورية عبر العالم الافتراضى عن فضيحة الكلمات وعهر السياسة أمام جرائم الابادة البشارية . تتحدانى الشاعرة المتخفية تحت إسم مستعار وهى يائسة أن العالم لن يتدخل فى سوريا لأنها بلا نفط . تقول : " لدينا قروح ومآسى ، وليس لدينا ذهب " ." هنا أشلاء تلى أشلاء وأوحال لا يريد العالم التورط فيها " .
حُسمت الثورة الليبية فى أيام بسبب تدخل الخارج ، وحُررت كويت التسعينيات من الاحتلال العراقى فى غُضون أسابيع . فالنفط له رائحة نفاذة . تثير الساسة وتحرك الجيوش وتحاكم البلطجة وتحقق الأمن والاستقرار .
إن ضمير العالم لا يشم رائحة الدم . و على مَن لا نفط لديهم أن يعتصموا بجبال الصبر والتحمل حتى يهلكوا أو يحكم الله لهم بالحق . إنه خير الحاكمين .
أما نحن جمهور المتفرجين فى مصر الحرة فمأساتنا أكبر . نتجادل ونتحاور ونتناقش ولا نبرح مقاعدنا . للدم المسفوح فى سوريا لم تُحشد المليونيات ، ولم تُدبج القصائد ولم تُرفع قبضات التحدى فى وجه الظلم .
فى حسابات الدم لا يجب أن نخرس. يحرضنا الشاعر احمد شوقى منذ ثمانية عقود على ملاعنة جلاد دمشق وكأنه بيننا فيقول : " وضُج من الشكيمةِ كل حرٍ / أبيٍ من أميةِ فيه عِتقُ ."
ثم يحلل شخصية القتلة مخاطبا دمشق : " سلي مَن راع غيدك بعد وهنٍ / أبين فؤاده والصخرُ فرقُ !! " . ويهتف "شوقى " مقررا المبدأ الاعظم لتضامن الشعوب الحرة : " وللأوطان في دم كل حرٍ / يدٌ سلفت ودينٌ مُستحقُ."
والله اعلم .