ماهر عزيز
" ازدراء الأديان " هو مصطلح تم سكه ليقضي بإعدام الحريات الدينية وقهر أي حق في التعبير عن الاختيار الحر لدين معين وعدم اختيار دين آخر ..
ان اختيار دين دون دين اخر يتضمن حتما الأسباب الموضوعية لعدم اختيار الدين الاخر أو رفضه .. فلا يمكن حين يسأل فرد : لماذا اخترت ما أنت عليه من دين ورفضت اتباع دين اخر .. ان يتم سحقه بسبب اعتبار أن أسباب رفضه اتباع دين آخر هي في عقيدة الطرف الأخر ازدراء للدين الاخر مما يخرج عن حدود العقل والدين !!!
الحق أن الذين سكوا مصطلح " ازدراء الأديان " احتفظوا لأنفسهم بحق التعبير عن الأسباب التي حدت بهم الي عدم اتباع سائر الاديان الأخرى في الوقت الذي قضوا فيه بسحق حرية اي فرد يعبر عن الأسباب التي حدت به الي عدم اختيار الدين الذي يعتنقونه هم فقط .. وبذلك فقد استعلوا لأنفسهم بحرية إبداء أسباب رفضهم للدين الاخر - وهي الأسباب التي تتضمن بالضرورة إنكارهم لما يعتبرونه عوارا في الدين الاخر - مما ينسحب علي وصفه بأوصاف مثل "دين الكفر" أو "دين التخلف" او "الدين المحرف" او غيرها من الأوصاف التي يسوقونها اسبابا لعدم اعتناقهم لهذا الدين ، وقد تكون تلك بالفعل هي الأسباب الموضوعية لعدم اتباعهم لهذا الدين ، لكن الأمر ينقلب لديهم فجأة حين يصرح أتباع الدين الذي رفضوه هم بأسبابهم الموضوعية لرفض الدين الذي يعتنقونه ، فيتقولون عليهم بأنهم يزدرون دينهم ، وبمقتضي هذا الازدراء يسجنونهم أو يسحقونهم ، أو يقيمون الدنيا ويقعدونها عليهم ، ويملأون الفضاء العريض صياحا ووعيدا وتهديدا ، ويتمادون فيعلنونها حربا دينية شعواء ، تستهدف دمار وخراب كل ما لدي الطرف الاخر من أصول حضارية وانسانية ، ولا يتورعون أن يقودونها حربا دينية شعواء ... وهكذا في الوقت الذي يشعرون فيه شعورا طبيعيا ومنطقيا بحقهم في الإفصاح عن رأيهم في دين الآخرين - ولا يعتبرون ذلك ازدراء مهما نعتوه بنعوت مزدرية - ينكرون علي أصحاب الدين الذي يزدرونه لأسبابهم الموضوعية .. ينكرون عليهم حريتهم في أن يصرحوا بأسباب رفضهم لاعتناق دينهم هم ويصمونهم بأنهم يزدرون دينهم ، وبالتالي يحق سحقهم وابادتهم ؟؟
هذا لا يكون كيلا بمكيالين أبدا بل ممارسة لطغيان القوة طالما يملكونها ويحتكمون عليها ؟؟؟
" ازدراء الأديان " هكذا هو وسيلة بوليسية لتكميم الأفواه ، وترهيب الناس باسم عدم الإساءة للدين ، بينما منطقيا وعقلانيا اذا عددت أسباب رفضك لاتباع دين معين ، فستكون اسبابك الحقيقية والموضوعية رفضا لهذا الدين ، مما يعتبره أصحاب هذا الدين ازدراء ، بينما انت لا تزدري بل تصرح بأمانة بأسبابك لعدم اعتناق الدين الاخر .. وهو الحق الذي يحتفظون به هم لأنفسهم دون أن يعتبرونه ازدراء لدينك ، بينما ينكرونه عليك باعتباره ازدراء لدينهم !!!
المعضلة هنا هي أن هذا المصطلح المفتري المراوغ الظلوم ليس له سوي مدلول واحد هو امتناع الإمكانية مطلقا لطرف أن يصرح بأسبابه الحقيقية و الموضوعية في عدم اعتناقه دين الآخر ، بينما الاخر يحتكر الإمكانية كاملة لنفسه دون شعوره مطلقا بأنه يزدري أو يظلم أو يعتدي أو يجور..
كذلك فالمصطلح هكذا له حضور طاغ في أن البشر يحمون الدين بالقوة القاهرة مما يتضمن جوهريا سقوط الدين ذاته ، لأنه عندئذ لا يشمخ ولا يرتفع بذاته وفي ذاته علي كل أسباب رفضه ..بل يقوم علي حماية معتنقيه له بالقوة القاهرة أمام الأسباب التي يسوقها رافضوه لرفضه .. وهذه الحماية بالقوة القاهرة للدين ليس لها سوي معني واحد هو هشاشة الفكر الذي يقوم عليه الاعتقاد الديني ، وعدم قدرته علي البرهان علي مصدره الإلهي ، أو عدم قدرته للارتكان الي قوة الدفاع السماوي عنه !!!
الاعتقاد أو الفكر الذي يقصف رقبتك حين تعبر تعبيرا حرا عن أسباب عدم قناعتك به وتبعيتك له ، ليس بدين .. بل الة للقهر وأداة للاستعباد ووسيلة للإبادة والفناء بقوة السلاح الغاشمة أو قوة الظلم القادر علي محاصرتك واعتقالك !!! وذلك يصيب الدين ذاته في مقتل ، إذ من حيث يبغون حمايته والدفاع عنه يخلعون عنه أسباب قوته الذاتية في الاقناع الحر ، والبقاء اختيارا حرا خالصا علي الزمان !!!
خلاصة الأمر كله أن " ازدراء الأديان " هو مصطلح قصد به الحق في ازدراء كل الأديان وعدم الاقتراب من دين بعينه ، والنتيجة الطبيعية هي أن لا شيء مطلقا يمكن أن نطلق عليه ازدراء الأديان ؛ والمصطلح معيوب في أصله ، غارق في عنصرية فجة ؛ وتقطر منه أخيلة القوة الغاشمة لسحق الاخر..
لا شيء يسمي " ازدراء الأديان " مطلقا لأن المصطلح ذاته غارق في الغش والتفرقة العنصرية والانحياز والتحايل لضرب كل الأديان وتحصين دين واحد فقط ، هو دين من يملك القوة ، وقادر علي فرض حريته وسحق حريات من عداه !!!
لكن ذلك يطرح سؤالا جوهريا لا يمكن تجاهله : بأي أسلوب يمكن لطرف أن يقول بموضوعية واحترام أسباب رفضه للدين الآخر؟
وهل السخرية والاستهزاء والاستعداء تصلح أسلوبا لهذا التعبير ؟
وهل العدوان علي مشاعر الآخرين في دينهم المخالف بتعمد السخرية والاستهزاء والتحقير والتكفير يكون مباحا في سياق التعبير عن عدم القدرة علي اتباع دين الآخر؟
هنا يتعين أن نقرر أن كل أشكال التعبير هذه مرفوضة تماما ، ولا تجوز ، ويتعين رفض الاستهزاء والاستحقار والسخرية والتكفير رفضا عادلا ، حتي اذا ما عبر أحد عن أسباب عدم اعتناقه لدين معين تكون له الحرية أن يعلن ذلك بكل موضوعية واحترام .