بقلم : نجيب محفوظ نجيب
عندما بدأ الفجر يرسل خيوطه الفضية...كنت قد أنتهيت من الكتابة...فوضعت أوراقى جانبا...و أطفأت المصباح...أقتربت من النافذة أتأمل الشمس و هى ترسل أشعتها الذهبية التى تبعث الحياة فى قلبى...ألتفت فجأة لأجد أمامى شخصا ممددا فوق الأرض...هرعت اليه أحاول أن أوقظه و لكن بدون فائدة...قلبه ينبض و لكنه مستغرقا فى النوم...يبدو و كأنه فى غيبوبة...حملته الى منزلى...تركته ممددا فوق سريرى ثم ذهبت لأحضار الطبيب...
مر وقت و الطبيب يحاول أن يفيقه من الغيبوبة الى أن أستجاب أخيرا لمحاولات الطبيب و بدأ يفتح عينيه و يفيق بالتدريج...أقتربت منه مبتسما و همست اليه: "حمدا لله على سلامتك".
و كان صامتا و ملامح وجهه ثابتة تعكس حزن عميق...تلفت إلى و أحاطنى بنظرة عتاب قائلا: "لماذا أنقذتنى؟!...ليتك تركتنى أموت!...فقلت له: "لن أسألك من تكون؟ و لن أسألك عن أسباب همومك التى دفعتك لمحاولة الأنتحار؟...و لكن دعنى أقول لك أن حياتك ليست ملكا لك.. فهى ملك للخالق الذى منحك إياها فأن حاولت أن تنهيها بنفسك فأنك تقتل نفسا...
أنسابت الدموع من عينيه...فهدأت من روعه...و بدأ يحكى لى بصوت قد أشقاه الزمن...كان أخر ما يخطر لى ببال أن يطردنى أبنى الوحيد من بيتى...فلم يشفق على شيخوختى...نسى كم قاسيت من أجله...نسى كيف أضعت عمرى لأجله...أصاب قلبى المرض...و علاجى يحتاج الى الكثير فلجأت اليه...فأهملنى متحججا لأنه لا يملك شيئا...و عندما واجهته بأننى أعرف أنه يملك الكثير و الكثير...ثارت ثائرته و أحتد على ثم طردنى...تركته و سرت هائما على وجهى تائها لا أعرف أين الطريق...أظلمت الدنيا فى وجهى و أدركنى التعب و الأعياء فتناولت جرعة كبيرة من الحبوب المهدئة و أستلقيت على الأرض...
بعد أن سمعت حكايته نظرت اليه و كأنى أنظر الى أبى الذى حرمنى منه الدهر...و قلت له بصوت منخفض:"أعرف كم كانت التجربة قاسية عليك...و لكن أريدك أن تعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله...فاذا كان أبنك قد تخلى عنك...فتأكد أنه يوجد أمامك أبنا أخر يريدك أن تكون له أبا طول العمر...بكينا و تعانقنا...و منذ هذا اليوم صرت له أبنا...و صار لى أيا.