بقلم: مجدي ملاك
المتابع لأخبار محافظة المنيا يكاد أن يجزم أن تلك المحافظة أصبحت بالفعل بلد الفتنة دون أي منازع، ولا يمكن أن نقول أن تلك المحافظة أصبحت فجأة مصدر للفتن دون أن نقرأ واقع تلك المحافظة التي تعتبر من أكثر المحافظات عنفًا على مستوى مصر في هذه المرحلة وفي المراحل التاريخية التي تسبقها، فالمتابع للحركات الإسلامية في مصر سوف يعرف أن محافظة المنيا هي إحدى معاقل الجماعات الإسلامية المتطرفة التي خلقت من تلك المحافظة مناخ إرهابي لا يستطيع أي فرد فيها أن يعيش بسلام، فطوال فترة التسعينيات من القرن الماضي ظلت تلك المحافظة تحتل المرتبة الأولى في العمليات الإرهابية التي تتم فيها، فلم يكن يمر يوم دون أن تكون هناك عملية إرهابية قام بها مجموعة من الإرهابين في تلك المحافظة وهو ما يعني أن تلك المحافظة مليئة بما يمكن أن نطلق عليه ليس فقط الإرهابيين، ولكن بل بالأخطر من هذا وهو الفكر المتطرف الذي يولد العنف المستمر.
والمشكلة الأخطر أن هذا العنف ربما حاولت الدولة طوال فترة التسعينيات أن تعالجه ولكن أعتقد أن تلك المعالجة كانت خاطئة إلى حد كبير أو يمكن أن نقول أنها كانت معالجة ناقصة، فالدولة المصرية اهتمت في تلك المرحلة بمحاولة وقف العنف الذي كان من خلال تصحيح مفاهيم مغلوطة لدى تلك الجماعات المتطرفة، ولكن تصحيح تلك المفاهيم اقتصر فقط أن أوقف العنف لأسباب الأمن الإجتماعي دون الاهتمام بالأمن الفكري الذي يمكن أن يظل خامد ليولد مجموعة أكثر تطرفًا.
ولا يمكن أن ننسى المذبحة التي تمت ضد الأقباط في المنيا بعد الخروج من أحد الاجتماعات، ولكن يمكن أن نميز مرحلة التسعينيات بأن الأحداث الإرهابية فيها كانت تنال من المسلمين والأقباط على حد سواء، صحيح أن الأحداث ضد الأقباط كانت أكثر عنفًا وأكثر دموية، ولكن كانت هناك على الصعيد الآخر أعمال عنف تنال من باقي المجتمع في نفس الوقت، ولكن بعد المراجعات وتراجع حدة العنف من الجماعات الإسلامية في تلك المحافظة من الواضح أن العنف توقف فقط من جانب واحد، بمعنى أن الجماعات الإسلامية ظلت تستهدف الأقباط سواء بالفكر أو بالاحتكاك المباشر الذي يساهم بشكل أو بآخر في تصعيد الأمور بالشكل الذي يشعر الجميع والأقباط تحديدًا بعد الأمان وعدم القدرة على التعايش في ظل هذا المناخ المتطرف، حيث لا يمر يوم دون أن نسمع أن مشكلة طائفية داخل تلك المحافظة.
ولكن في متابعتنا لمجمل تلك الأحداث نستطيع أن نستنتج بعض من الأسباب التي دفعت تلك المحافظة إلى هذا الاتجاه ضد الأقباط:
أولاً - التعامل الأمني مع قضايا فكرية: وهنا نستطيع أن نجزم أن الجماعات الإسلامية في تلك المحافظة أوقفت تعاملها الدموي نتيجة ضغط أمني وربما عنف وتعذيب، ولكن الأفكار المتطرفة لا يمكن أن تموت بسبب التعذيب أو الضرب، ولذلك ظلت الأفكار المتطرفة في عقول هؤلاء تنتظر اللحظة التي يمكن أن تخرج فيها، وحينها رأت تلك الجماعات أن تلك المرحلة لا يمكن أن يخرج هذا العنف إلا ضد الأقباط، خاصة مع اعتقاد تلك الجماعات بأن الأقباط هم مجموعة من أهل الذمة يجب التضييق عليهم بكافة السبل، وأنهم بلا حقوق في دولة إسلامية، ويغذي ذلك الفكر بالطبع مجموعة من أصحاب الفتاوى والقنوات التي تدعم هذا الإتجاه، لذلك كانت تلك الفرصة لتلك الجماعات حتى ولو ظهرت أن القائم بأعمال العنف أفراد، فهم في الأغلب أفراد ينتمون لفكر تلك الجماعات، ومن ثم نجحت الدولة في وقف العنف المادي دون أن يصاحب ذلك نجاح في وقف العنف الفكري والمعنوي الذي يولد مع الوقت احتكاك وعنف مادي لنصل إلى نفس النتيجة التي كانت منذ سنوات.
ثانيًا - ضعف المحافظ: وقد اتضح هذا الضعف في معالجته لقضية دير أبو فانا، فحين يكون الصلح على حساب القانون وحين يهتم محافظ بتطييب الخواطر أكثر من إعمال القانون، هنا يكون الفشل والضعف، فعلى الرغم من كل ما حدث، وعلى الرغم من معرفة المحافظ الجيدة بأسلوب العربان وطريقتهم في فرض الأمر الواقع، وتأكده من الكنيسة لا يمكن أن تستخدم السلاح أو العنف في سبيل الدفاع عن حقها، إلا أنه أصر على ما يسمى بالصلح، وتغيير الشهادة من أجل إعطاء شعور لدى النظام السياسي بأنه قادر على حسم الأمور وحلها دون أدنى مراعاة للقانون الذي حلف اليمين الدستورية على أن يحافظ عليه.
ثالثًا - الدور السلبي لبعض رجال الأعمال الأقباط: وهو أمر لا يمكن أن ننكره ولا يجب أن ندفن رؤوسنا في الرمال بسببه، فوجود رجال أعمال أقباط ينتمون للحزب الوطني ويطمعون في الترشيح على قوائمه يعرض الكثير من الأقباط للمهانة من أجل مصالح ضيقة، كما يضيعون حق الكنيسة بسبب تلك المصالح ليلعب المال والسلطة الدور الأكبر في ضياع حقوق الاقباط، وبدلاً من أن يستخدم رجال الأعمال نفوذهم في إعمال القانون لإعطاء نموذج في أن القانون يجب أن يكون فوق الجميع، يحدث العكس وتوطد المساومات والوعود من جانب المحافظ والمسئولين بمساندته في الانتخابات القادمة في حال تم الصلح في واحد من القضايا التي كان علينا أن نعمل القانون فيها لا أن نعمل جلسات الصلح التي تزيد الأمر اشتعالاً.
هذه بعض من الأسباب التي تجعل الأقباط عرضة بشكل دائم للاعتداء عليهم في تلك المحافظة، وربما بالطبع توجد أسباب أخرى، ولكن أعتقد أن هذه أحد أهم الأسباب التي تزيد الأمر اشتعالاً وأكثر تعقيداً، فحين يتم القفز على القانون بواسطة المسئولين في الدولة فهذه واحدة من الكوارث التي ستزيد من المشاكل الطائفية في السنوات القادمة، وإذا لم يدرك المسئولين خطورة هذا وضرورة أن يتوقف فمن المتوقع أن تتحول جميع المحافظات إلى بؤر للفتن الطائفية سيصعب التحكم فيها أو السيطرة عليها، لذا إذا أراد المسئولين أن يعملوا مبدأ المواطنة فعليهم إعمال القانون أولاً.