دروس ما بعد حكم الدستورية
بقلم- منير بشاي
منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 حدثت أخطاء كثيرة فيما اُتخذ من قرارات، بعضها مدبر وبعضها غير مقصود، بعضها ناتج عن طمع، والبعض عن جهل، والبعض الآخر بسبب الثقة العمياء فيمن كنا نظن أنهم خبراء، وثبت أنهم عكس ذلك تمامًا.
كانت نتيجة هذه الأخطاء حدوث صراع بين الفصائل المختلفة في المجتمع، خلقت نوعًا من الشد والجذب تسبب في إخراج الثورة عن مسارها الصحيح إلى العكس، وتهدد بحدوث صدام مريع.
ولكن من حسن الحظ أن يأتي قرار المحكمة الدستورية العليا ليضع الفرملة على الوضع قبل حدوث الصدام المحتم، ويعود بنا إلى المربع الأول، عسى أن نعي الدرس ونبدأ بداية صحيحة نعالج فيها ما حدث من أخطاء. وهذه بعض الدروس التي أرجو أن نكون قد تعلمناها:
الدرس الأول: البناء يبدأ دائمًا من الأساس
لا تستطيع أن تبني الأدوار العليا قبل وضع الأساس الذي يرتكز عليه كل البنيان. الأساس في بناء الدولة بعد قيام الثورة هو الدستور الذي كان يجب أن يوضع أولًا بواسطة جميع أطياف المجتمع، ليكون الوثيقة التي يرضى عنها الجميع، والتي تحمي مصالحهم. الدستور يرسم شكل الدولة، ويضع صلاحيات السلطات المختلفة، وهي البداية المنطقية قبل انتخاب مجلس الشعب ورئيس الجمهورية، فبدون تحديد صلاحياتهم ومعرفة ماذا ستكون حدود اختصاصات سيكون هناك وقوع صدام مؤكد بين السلطات في المستقبل لا يعرف مداه غير الله.
الدرس الثاني: الغاية لا تبرر الوسيلة
منذ التنافس على الاستحواذ على السلطة، رأينا التكالب من فئات معينة تدعي أنها تمثل الدين وتريد أن تحكم بشرع الله. وبعد ذلك فوجئنا ببعضهم يمارس عكس ما يعظ ويكذب لتبريره. وفي سبيل وصولهم للهدف لم يمنع هذا استخدامهم لوسائل أبعد ما تكون عن الدين، وتعتمد على الخداع والكذب، وربما كان هناك تبرير عند البعض على أساس أن الحرب خدعة والضرورات تبيح المحظورات. ورأينا مؤامرات تحاك من وراء الستار، واتفاقيات تُبرم في الظلام، ووقف بعض القوانين والتعجيل بالبعض الآخر كوسيلة تكتيكية لكسب المصالح دون اعتبار لصالح الوطن.
الدرس الثالث: الدين والسياسة لا يمتزجان
هما مثل الزيت والماء يمكن أن تضعهما في وعاء واحد، ولكن لن يمتزج الواحد بالآخر. محاولة الخلط بين الدين والسياسة تضر بكل منهما. فلا مجال لاقحام الثابت بالمتغير، الإلهي بالبشري، المطلق بالقابل للمساومة. سمعنا بعض النواب يضيفون للقسم عبارات دينية لا مكان لها في السياسة، مثل عبارة "بما لا يخالف شرع الله".. إذا كان هناك احتياج لمثل هذه العبارة كان يمكن إضافة عبارة "بما لا يخالف القانون"، مع أن هذه بديهية لا تحتاج إلى تأكيد. ورأينا اقحام الدين الخاطىء حتى في الدعايات الانتخابية، فقد أطلقوا على "مرسي" أنه مرشح الله، وفي نفس الوقت قالوا عن شفيق أنه "كافر". الدين أقدس من أن يُزج به في مهاترات وأساليب سياسية متدنية لأغراض أبعد ما تكون عن الدين. لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة.
الدرس الرابع: السياسة مهنة وتخصص
وعلى من يدخل في السياسة أن يفهم أصولها ويعرف مداخلها ومخارجها. ولكن على عكس ذلك، وجدنا مجموعة من الهواة يجلسون على مقاعد السلطة التشريعية والتنفيذية، والنتيجة ارتكاب أخطاء كثيرة أدت إلى الكثير من المشاكل، وآخرها ما تسبب في حكم الدستورية بإلغاء بعض القوانين والممارسات لعدم دستوريتها. وتسبب هذا في ضياع الوقت الثمين والتكاليف المالية الباهظة. وكان يمكن تفادي الكثير من هذه المشاكل بتعيين خبراء قانونيين وسياسيين لمراجعة القوانين قبل إصدارها، ولكن بسبب الغرور كانوا دائمًا يقولون إن لدينا الخبرات الكافية ولا نحتاج إلى مساعدة أحد من الخارج.
الدرس الخامس: في غياب حسن النية لا قيمة للاتفاقيات والتعهدات
إن لم يكن الإنسان مقتنعًا وراضيًا بأن يكون عادلًا في الفصل فيما يخصه ويخص الآخرين، فالتحيز سيعود للظهور بالتأكيد. خذ مثلًا ما حدث في موضوع تكوين لجنة المئة التأسيسية لصياغة الدستور، التي من المفروض أن تمثل جميع أطياف الشعب وليس بالضرورة تقسيمات البرلمان.. كانت اللجنة الأولى يطغى عليها المتأسلمون ورفضتها المحكمة الدستورية، وفي محاولة إصلاح الخطأ وجدناهم يشكلون لجنة لا تختلف كثيرًا عن سابقتها، مما اضطر الكثيرين في اللجنة إلى الانسحاب. والآن بعد حل المجلس المتشدد، نرجو أن يتم ابتكار آلية تكون أكثر مصداقية ونزاهة من مجلس الشعب المنحل.
الدرس السادس: الطمع يضيع ما جمع
قامت الثورة على أكتاف شباب حديث السن وقليل الخبرة. وهذا أغرى جماعة الإخوان لمحاولة القفز على الثورة والاستلاء عليها. فالإخوان أكبر سنًا وأكثر حنكة وأكثر مواردًا وأيضًا أكثر خداعًا. ومن البداية أعلنوا عن أشياء، وفي كل مرة كانوا ينقضوها بأنفسهم، بدايةً من قرارهم بعدم الاشتراك في الثورة، إلى قرارهم بالاشتراك، ثم إعلانهم عن عزمهم ترشيح عدد قليل لمجلس الشعب، ليغيروه إلى استحواذهم على معظم كراسي مجلس الشعب، وإعلانهم عدم الدخول في المنافسة على رئاسة الجمهورية، ثم قرارهم الدخول بأكثر من مرشح للرئاسة. وأخيرًا أرادوا حتى الاستحواذ على كتابة الدستور دون غيرهم. أرادوا كل شىء ولم يتركوا لغيرهم شيئًا، وقد يكون هذا السبب في أنهم سيخسرون في النهاية كل شىء.
الدرس السابع: مصر فوق الكل
الولاء لمصر يجب أن يكون على رأس القائمة، والخط الأحمر الذي لا يجب أن يتعداه أحد. المساس بهذا لا يقبله مصري مخلص. تغيير اسم مصر إلى الولايات العربية المتحدة، وتغيير القاهرة كالعاصمة، أو التضحية بجزء من أرض مصر مهما كان السبب، مرفوض.. لقد جربناه من قبل وعرفنا أننا كنا مخطئين، فلا مجال لإعادة نفس الخطأ. لم يبتكر أحدنا اسم مصر، لقد كان كذلك منذ فجر التاريخ، ولا يملك لأحد تغييره الآن، بل ولا يقبل أحد تغييره.
شكرًا للمحكمة الدستورية أنها أنقذت "مصر" من خراب محقق وأعطتها "ملحق" لإعادة الامتحان من جديد، عسى أن نعي هذه المرة أسباب فشلنا الأول ولا نكرر نفس الأخطاء، فقد لا يكون هناك قرار محكمة آخر يعيدنا إلى صوابنا إذا أخطأنا مرة أخرى، فالملحق ليس له ملحق.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :