كتبت – أماني موسى
أحيت تركيا بالأمس الذكرى الـ 82 لوفاة مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، أبو الأتراك كما لقب، الرجل الذي أنهى الدولة العثمانية وأسس تركيا العلمانية الحديثة ورحل في العاشر من نوفمبر من العام 1938 في قصر ظولمابهجي بمدينة اسطنبول عن عمر ناهز 57 عامًا.
طقوس ذكرى رحيل الزعيم الوطني أتاتورك
وتقام عدة طقوس احتفالية بهذه المناسبة، لاسيما في العاصمة أنقرة وفي اسطنبول، أهمهما زيارة ضريح الزعيم التركي في أنيتكبير حيث وضع جثمانه سنة 1953، وبعد الزيارة الرسمية للضريح، تُفتح الأبواب عادة لزيارات آلاف المواطنين للترحم على الزعيم الوطني ووضع باقات الورود على سريره.. فمن هو كمال أتاتورك هذا ما سنورده بالسطور المقبلة.
أتاتورك أبو الأتراك
ولد مصطفى كمال 12 مارس 1881 في مدينة سالونيك اليونانية وكانت تابعة للدولة العثمانية آنذاك، هو رئيس الجمهورية التركية (1923 – 1938)، وهو مؤسسَ تركيا الحديثة، قائد الحركة التركية الوطنية التي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، الذي أوقع الهزيمة في جيش اليونانيين في الحرب التركية اليونانية عام 1922، وبعد انسحاب قوات الحلفاء من الأراضي التركية جعل عاصمته مدينة أنقرة، وأسس جمهورية تركيا الحديثة، فألغى الخلافة الإسلامية وأعلن علمانية الدولة.
والد تركيا أبو الأتراك
كان علمانيًا وقوميًا، وأصبحت سياساته ونظرياته معروفة باسم الكمالية، وأطلق عليهِ اسم أتاتورك أي أبو الأتراك، أو والد تركيا.
وفاة جميع أشقائه في سن صغيرة
كان مصطفى كمال أتاتورك هو ابن لأب يدعى علي رضا أفندي الذي عمل موظفًا في الجمارك وتاجر أخشاب بمدينة سلانيك، وتزوج من زبيدة فتاة ريفية وأنجب منها خمسة أشقاء لأتاتورك هم: فاطمة، عمر، أحمد، نجية، ومقبولة، وقد توفوا جميعًا في سن صغير عدا مقبولة.
والده يلحقه بالمدرسة الغربية بدلا من المدرسة الدينية ليغير قدره
وعند بلوغ مصطفى كمال السن الدراسي نشب خلاف بين والده ووالدته بشأن تحديد أي مدرسة سيلتحق بها. فكانت والدته تريده أن يلتحق بمدرسة دينية "حافظ محمد أفندي"، أما والده فكان يرغب في أن يلتحق بمدرسة شمس أفندي الغربية النمط، وقام والده بإلحاقه بالمدرسة الدينية ليومين إرضاءً لوالدته ثم ألحقه بالمدرسة الغربية الحديثة، وظل أتاتورك طوال حياته يعترف بجميل أبيه لاتخاذه مثل هذا القرار لاختياره مدرسة" شمس افندي"، فقرار والده لم يغير قدر مصطفى فقط بل قدر الأمة التركية بأكملها.
وفاة والده والتحاقه بالمدرسة الحربية
وفي عام 1888 توفي والده، فترك التعليم وعاش مع الأخ الغير شقيق من أمه ويدعى حسين، في مزرعة "رابلا"؛ منغمسًا في أعمال المزرعة تاركًا تعليمه ومن ثم قررت والدته العودة إلى سالونيك وأن يُكمل أتاتورك تعليمه هناك. وألتحق بالمدرسة الرشدية المدنية بسالونيك، وفي عام 1893 التحق بمدرسة الرشدية العسكرية، -رغم اعتراض والدته- حيث اعجب بالزي العسكري للتلاميذ في مدرسة محي الدين. وفي هذه المدرسة لقبه معلم الرياضيات "مصطفى صبرى بيه" باسم كمال ؛ ذلك اللقب الدال على النضج والكمال.
وفي عام 1897 بدأت حرب بين الدولة العثمانية واليونان فأراد مصطفى كمال التطوع فيها لكن ذلك لم يتحقق؛ لكونه طالبًا في المرحلة الثانوية وسنه لم يتخط السادسة عشر عامًا. وبعد أن أنهى المرحلة الثانوية بتفوق، ألتحق بالمدرسة الحربية في مارس 1899، وتخرج في العام 1905 برتبة رئيس أركان حرب مواصلًا التعلم في مدرسة أركان حرب.
مناصب بالجيش العثماني
مناصب بالجيش العثماني
تلقّى مصطفى كمال دراسة عسكرية وتولى مناصب مهمّة في الجيش العثماني وشارك في الحرب الليبية ضدّ الاحتلال اﻹيطالي وقاد حرب التحرير التركية ضد قوات الحلف في الحرب العالمية اﻷولى بمنطقة چنق قلعة (مضيق الدردنيل).
فساد الخلافة العثمانية وإعلان قيام الجمهورية التركية
وفي هذه الأثناء كانت الدولة العثمانية في عصر الاضمحلال ولقبتها أوروبا بـ الرجل المريض، وبعد محاولة فاشلة في إقامة سلطة ديقراطية بالإمبراطورية تنامت سلطة السلطان المطلقة ونفوذ الدين على الإمبراطورية العثمانية، وفي ظل حكم السلطان عبد الحميد الثاني حول البلد إلى دولة بوليسية وحكم بلا رأفة طيلة 33 عامًا، وفي ظل هذا الحكم الطغياني ولد أتاتورك عثمانيًا وقدر له أن يموت تركيًا، حيث نجح في إنهاء الإمبراطورية العثمانية وإعلان قيام جمهورية تركية قومية على النمط اﻷوروبي الحديث.
التحق بكلية الحرب في اسطنبول عام 1899، وهناك خاض أولى تجاربه السياسية، إذ انضم للحراك المناهض لحكم السلطان عبد الحميد الثاني، وانضم إلى جمعية سرية تسمى الاتحاد والترقي، التي كانت على صلة بحركة الأتراك الجدد التي أسقطت الخلافة العثمانية وعزلت السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909.
في عام 1905 بعدما تخرج مصطفى كمال من الكلية العسكرية في اسطنبول برتبة نقيب أركان حرب، أرسل إلى دمشق حيث بدأ مع العديد من زملائة بانشاء خلية سرية أطلق عليها اسم "الوطن والحرية" لمحاربة استبداد السلطان وقد ازدهر سلوك مصطفى كمال عندما حصل على الشهرة والترقيات أمام بطولاته في كافة أركان الامبراطورية العثمانية بما فيها ألبانيا وليبيا كما خدم فترة قصيرة كضابط أركان حرب في سالونيك واسطنبول وكملحق عسكري في صوفيا.
ألغى الخلافة والعمل بالشريعة
له دور كبير في النهضة الاقتصادية التركية، كما أنه ألغي العمل بالشريعة الإسلامية، فأغلق المدارس الإسلامية وحولها إلى مدارس علمانية، وألغى المحاكم الشرعية، وأبطل العمل بالشريعة الإسلامية في القانون عام 1926، وحلّت بدلا منها مجموعة من القوانين الأوروبية، مثل القانون المدني السويسري، وقانون العقوبات الإيطالي، وقانون التجارة الألماني.
منع تعدد الزواج ومنح النساء حق التصويت والترشح في البرلمان
أمر بمنع تعدد الزوجات، واستبدال عقود الزواج المدنية بالزواج الشرعي. وفي ديسمبر 1934، منح النساء حق التصويت والترشح في البرلمان،وفي عام 1935 دخلت ثمانية عشرة نائبة البرلمان التركي في الانتخابات العامة، في وقت لم تكن المرأة في العديد من البلدان يحق لها مجرد التصويت.
منع الطربوش والجلباب لرجال الدين
ومنع ارتداء الطربوش والجلباب الذي يرتديه رجال الدين، وحل بدلاً منه الزي الغربي للرجال والنساء. وازدهرت صناعة القبعات الأوروبية في البلاد كبديل للطرابيش.
صورة لأتاتورك وسط طلاب وطالبات الجامعة بتركيا
إلغاء الكتابة بالعربية واستبدالها بالحروف اللاتينية
إلغاء الكتابة بالعربية واستبدالها بالحروف اللاتينية
كما ألغى كتابة اللغة التركية بالحروف العربية، وحلت محلها الحروف اللاتينية في الكتابة، بالإضافة إلى حملات موسعة بالبلاد لمحو الأمية.
إجمالاً يعد أتاتورك أحد أهم رموز التقدم والإصلاح في تاريخ تركيا، حيث تبنى جميع مظاهر الحياة الغربية وأدخلها إلى الحياة التركية.
وأسس أتاتورك حزب الشعب الجمهوري، الذي هيمن على المشهد السياسي في البلاد حتى عام 1945، وقام حكمه على 6 محاور عرفت باسم "الكمالية"
حياته الشخصية وزواجه
كانت علاقته الأولى من الفتاة فكرية، كانت فتاة مسلمة متمسكة بالتقاليد، وأحبته للغاية، ورغم عدم زواجهما إلا أنهما ظهرا للمجتمع كثنائي كامل، ولكن كمال لم يكمل علاقته بها بعدما تبين وجود تباعد فكري كبير بين الطرفين، فهو الشخص العلماني الذي يؤمن بالحريات وهي شخص منغلق الفكر، وانفصلا، ولكنها مرضت بمرض السل فأرسلها للعلاج بالخارج رغم انفصالهما، وعند علمها بزواجه انتحرت بإطلاق النيران على رأسها من مسدس كانت قد اشترته له في السابق.
زواجه من لطيفة هانم
ثم تزوج من الفتاة لطيفة هانم ابنة السيد اوشاكى ظادا أحد أثرياء إزمير في يناير 1923 ثم انفصلا في أغسطس 1925، وكانت لطيفة تجيد عدة لغات وتظهر معه في لقاءات عديدة.
تبنى أطفالاً بينهم طفل فقد عائلته بالحرب وأخرى أصبحت أول طيارة مقاتلة بالعالم
وبعدما فشل أتاتورك في إقامة عائلة تبنى 8 بنات وولد، وهم: عبد الرحيم تونجاك، وعفيفة، وزهرة، و رقية اركين، و نبيلة اردلب، و صبيحة جوك تشن، و عفت انان، و سغرت ماتش مصطفى، و اولكو اداتبا.
وجاءت قصة تبنيه لعبد الرحيم بعد أن بقي وحيدًا وفقد كل أفراد عائلته في الحرب، وأرسل مصطفى كمال، عبد الرحيم إلى إسطنبول حتى يتلقى الرعاية بجانب والدته زبيدة هانم وأخته مقبولة، أما ابنته صبيحة جوتشن فكانت أول امرأة تركية تعمل بمهنة الطيران، وأول امرأة تصبح قائد سلاح الطيران في الحرب على مستوى العالم، أول طيارة مقاتلة في العالم!
مع ابنتبه بالتبني والتي أصبحت أول طيارة مقاتلة بالعالم
حبه لكلبه وحصانه وأسس مزرعة الغابات في أنقرة
عرف عنه حبه للطبيعة وتعلقه بحصانه "ساكاريا" وكلبه "فوكس"، وأسس أتاتورك مزرعة الغابات في أنقرة في عام 1925، حيث أراد أن يكون لديه مزرعة حديثة في ضواحي العاصمة بما في ذلك المشتل للناس، وطورت مزرعة الغابات برنامجًا لإدخال الثروة الحيوانية والبستانية المستأنسة في عام 1933.
تأسيس أول حديقة حيوان بتركيا
ونتيجةً لاهتمام الأطفال بالحيوانات، شارك أتاتورك في تطوير برنامج أصبح يُعرف باسم "حديقة حيوان أنقرة". وقد أعطت حديقة الحيوانات الحديثة التي استغرقت 12 عامًا من صنعها ، الأولى من نوعها في تركيا ، فرصة للناس لمراقبة الحيوانات خارج حدود السيرك والمعارض.
وفاته في عمر صغير وتشييع جثمانه وسط حشود هائلة من الأتراك
وفي معركته الأخيرة قدر له أن يخسر، حيث تدهورت صحته بمرض تشمع الكبد، وفشل الأطباء في علاجه، وتوفي أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية ورئيسها الأول – في إسطنبول بقصر دولمة بهجة في تمام الساعة التاسعة والخمس دقائق صباح يوم الأربعاء العاشر من نوفمبر عام 1938. وشُيعت جنازته حتى أنقرة بموكب مهيب ووُضِع جثمانه في مقبرة بمتحف أتنوجرافيا بأنقرة بمراسم حافلة تمت في أنقرة في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 1938، وبعد خمسة عشر عامًا في العاشر من نوفمبر عام 1953، دُفن في مقبرة النصب التذكارى الخالد (آنت كابير) الذي شيد خصيصًا له.
الآلاف يودعون أتاتورك
توقف الحركة بتركيا في ساعة وفاة أتاتورك كل عام
توقف الحركة بتركيا في ساعة وفاة أتاتورك كل عام
جدير بالذكر أنه في كل عام في هذه الذكرى، تتوقف الحركة الساعة التاسعة وخمس دقائق في كل أنحاء البلاد، وهي اللحظة التي فارق فيها أتاتورك الحياة، وتطلق الصافرات، بعدها تنظم عادة سلسلة بشرية على طول 6,5 كلم، مع احترام قواعد التباعد الاجتماعي هذا العام بسبب وباء كورونا، وسوف يدشن عمدة مدينة اسطنبول بهذه المناسبة غابة المدينة الممتدة على مساحة 1 مليون متر مربع.