جرجس ميخائيل
لم يترك لهم مالا او منزلا، لم يترك لكهم نقودا مكدسة، او ذهبا او اكياسا من الفضة!

كل ما تركه لهم هو ميراثا روحيا ساميا وسيرة عطرة و حياة يقتدى بها، فقد حفظ الوصية وتبع الرب من كل قلبه "ان عبدك كان يخاف الرب".

لكن ها قد احكم عليها الشر من بعده، يطرق بابها الخشبى المتهالك الذى كاد ينخلع من شدة الطرق، وجه شاحب بارد بملامح قاسية يطلب منها ان تسدد ماعليها بضريبة ربا مضاعفة باهظة وليس لديها ما يأخذه عوضا، سوى إبناها ..كل ماخرجت بهما من حطام الدنيا، هما كل حياتها ورجائها، بسمتها وضحكتها وقرير عينيها.

تتوسل الى المرابى الجشع ذو الوجه البارد، ان يمهلها يوما او اكثر، فيوافق بعد ان يتوعدها بالسوء ان لم تدفع!!.

تسقط الارملة تحت وطأة الخوف و القلق وكأنها شاخت فى لحظة عشرين عاما اخرى تضاف الى حطام سنى حياتها، فالى من تلجأ؟!

ها هو إليشع رجل الله وممثله و المخبر بكلمته، تأتى اليه صارخة بكل ضيقها لتطرحه امام هذا الرجل القوى -موبخ يهورام ملك اسرائيل - لكن قلبه ممتلىء رحمة وعطف مثل سيده، فيحنو على المرأة الملتاعة.

"اخبرينى ماذا لك فى البيت" ؟
لم يكن للمرأة سوى "دهنة زيت"
فقط "دهنة زيت"
..فقط دهنة زيت، اى اقل من معلقة زيت تدهنها تحت فطيرة دقيق حتى لا تلتصق اثناء وضعها بالفرن!!

هل هذا كل ما تمتلكيه فى هذه الدنيا؟ هل هذه هى ثروتك فى الحياه؟
فقط دهنة زيت؟
نعم ليس لجاريتك سوى دهنة زيت!

لكن الله كريم غنى معطاء يشبع الآلاف من خمس خبزات وسمكتين و يخرج الماء من حجر صوان، يخرج من الآكل اكلا ومن الجافى حلاوة، لاتنزعجى ايتها الارملة التقية.

استعيرى اوعية انت و بنيكى، فأنت على موعد مع عمل الله الذى لا يستقصى وعجائبه التى لاتنتهى.
استعيرى من جاراتك كل اوعيتهم، "اكثرى لا تقللى"حتى لو سألوا و استفسروا واندهشوا، قولى سأردهم على الفور.

عملت الارملة وبنيها كما طلب إليشع النبى رغم غرابة الطلب، وربما سذاجته ورغم معدومية امكانية حدوثه، ولما لا فالمراة ايضا ساذجة بسيطة تقية تضع كل حملها على الله، كزوجها الذى رقد على رجاء القيامة فى ايمان انه يقيم من الاموات، و ان للسيد الرب عند الموت مخارج، وانه يقدر ان يخلص بالقليل وبالكثير وليس عنده مانع.

وبدأت تصب الزيت فى الاوعية وسط تهليلات بنيها، وربما بعضا من جاراتها الفضوليات.
الاوعية تمتلىء بالزيت والقلوب تمتلى بالايمان وتبقى المهجزة شاهدة على قدرة الرب وتقوية الايمان تقود الانسان الى التوبة والفرح والشكر و التسبيح لله الذى يرثى لحالنا، سند لنا فى ايام غربتنا، حتى لو اتى المرابى يطلب ابنائنا، تصده صرخات صلواتنا ليكون الرب الاله سورا من نار حولنا ومجد وتسبيح فى وسطنا.

هل كان ميراث هذين الولدين اغنى من من كنز لهم فضة وذهب؟ ربما
#دهنة_زيت #وعائى_الفارغ #املأ_اوعيتنا #اوعينا_فارغة