عبد المنعم بدوى
كانت دعوه على الغداء ، بأحد المطاعم الفاخره على نيل القاهره ، ولكنها دعوه ليست كريمه ، لأن كل من حضر الدعوه دفع حسابه بنفسه ، أى لم تكن على حساب صاحب الدعوه ، مع أننا نصحنا صديقنا هذا ، على أن يقيم الدعوه على حسابه حتى تكون دعوته كريمه ... لكنه رفض بشده وقال " باقولكم إيه ... أنا مش قاعد على بنك " .
المهم ... كان اللقاء بالأصدقاء بعد طول غياب ، وشاهدت الزمن اللعين ، كيف فعل بالشباب الوثاب الغض المهاب ، الذى كان ينط ويفط ويعط ، وأصبح اليوم لاغنى ــ لبعضهم ــ عن العصا ليستعين بها على المشى .
جاءت جلستى بجوار أحد أصدقاء العمر ، الفرق بينى وبينه ، أنه يكبرنى بسنوات قليله فى السن وفى التخرج ، لكن الفرق الحقيقى أنه تقلد أرفع المناصب وأعلاها قدرا ــ والجلوس الى من كان فى مقعد السلطه ثم تركها أمر مثير للغايه ـــ فهو واحد بعد عنه كرسيه فى السلطه ... كانت زفرات الألم تصاحبه ، وأكثر من دمعه ترقرقت فى عينيه ، فهو يعض بنان الندم على ماقدمت يداه أثناء جلوسه على مقعد السلطه .
لكن هذا التقريع واللوم للنفس يأتى بعد فوات الأوان ، وبعد أن تكون قد أنقشعت عن عينيه سحابه كثيفه من الظلال وأصبح يمكنه الأن التمييز بين الخبيث والطيب .
فنحن بشر لايوحى ألينا حتى نفعل هذا أو نتجنب ذاك ... نحن نحكم بالظاهر ، والله أعلم بالسرائر وماتخفى النفوس .