بقلم وفاء هندى
هناك تفسيرات متعددة لمصطلح "المواطنة العالمية" والمفهوم الشائع هو أن المواطنة العالمية شعور بالانتماء إلى مجتمع أوسع يتخطى الحدود المحلية ، شعور يُبرِز القاسم المشترك بين البشر ويتغذى من أوجه الترابط بين المستويين المحلي والعالمي والمستويين الوطني والدولي.  
    
وهناك أيضا مناقشات محددة تتعلق بالمواطنة العالمية كوسيلة لتحقيق الهدف النهائي للتنمية المستدامة ولا ُيعتبر مفهوم 
المواطنة العالمية فكرة جديدة بشكل كامل فلقد ظلت على جدول أعمال الكثير من المؤتمرات وهناك ثلاثة مرتكزات أساسية يتشكل منها لُب المواطنة العالمية:

. – اولاً : أن كوكبنا هو موطننا الوحيد و من ثم نحتاج لحمايته
– ثانياً: السعى نحو تحقيق السلام العالمي .
  – ثالثاً: ترسيخ مفهوم أن جميع البشر متساوون  .                                
بإختصار ُيعتبر السلام والبشر على هذا الكوكب هما العاملان المشتركان اللذان يُحتمان ضروة تحقيق تفاهم أفضل ، ففكرة المواطنة العالمية لا يمكن تحقيقها بدون توفير الضروريات الأساسية لضمان تحقيق العدالة الإجتماعية وتحقيق النفع والقيم المشتركة بين البشر مثل التسامح والتكامل وضمان العيش حياة كريمة بإعتبار ان هذا الحد الأدني من المعايير المدنية.
 
  وأرى أن ذلك قابل للتحقيق  ولكنه  يعتمد على ما نبذله من جهود لتحويله إلى حقيقة ملموسة، وقد يبدو ذلك للبعض ُحلماً كالمدينة الفاضلة ولكنى أجده رحلة الإنسانية للتطور نحو المواطنة العالمية ونحو وحدة العالم الإنسانى ونحو حضارة عالمية أكثر نضجاً ورقياً على الصعيدين الأخلاقى والمادى خاصة مع بزوغ ثورة الأتصالات العلمية فبات العالم قرية صغيرة متحدة الأطراف والرؤى والقيم الإنسانية العليا وتلاشى الكثير من الحصانات التى كانت تعتبرها بعض الدول غير قابلة للخدش او اللمس ومن هنا أراه وقتاً مناسباً لتحقيق فكرة شغلت عقول الكثير من البشر منذ زمن ليس بقريب ألا وهى فكرة المواطنة العالمية.
 
،هناك بعض التوصيات المبنية على  حقائق واضحة  وقد قُدَّمت كمقترحات أساسية من الهيئات والجمعيات التى تقوم بتكريس جهودها بهذا الصدد  تتمثل هذه الإقتراحات فى أن :           
                                   
 السيادة الفعلية للسلطة الحاكمة لم تعد منوطة بالمؤسسات المحلية فقط  لأن الدول والشعوب أصبحت تعتمد على بعضها البعض فإن الأزمة الحالية هي أزمات أخلاقية وروحانية مثلما هي سياسية وأنه لا يمكن التغلب على الأزمة الحالية إلا بتحقيق نظام عالمي يُمثل كل شعوب الجنس البشري وأممه ويمكن تحديده في نظام عالمي يُقنن من شن الحروب، ويعنى بالحقوق الخاصة بالتسلح واقتناء الأسلحة إلا لأغراض حفظ الأمن الداخلي ضمن حدود كل دولة ، ويكون لهذا النظام العالمى هيئة تنفيذية عالمية قادرة على فرض سلطتها العليا التي لا تُعصى وكذلك برلمان عالمي تقوم الشعوب بإنتخاب أعضائه في بلادهم على أن تعتمد حكوماتهم هذا الإنتخاب ثم محكمة عُليا تكون أحكامها ُملزمة حتى في القضايا التي لا تتفق الأطراف المعنية طواعية على طرح قضيتهم للنظر فيها أمام المحكمة.
 
قد يبدو للتقلديين أو الحزبيين بأنه من المستحيل تحقيق نظام عالمي على هذا النهج، إلا أن الإنسانية تمر بمرحلة حاسمة شبيهة بمرحلة دخول الفرد طور النضج وأصبح يستخدم قدرات وملكات جديدة تتجاوز إدراك شاب غير مسؤول.   
   
 إن ثقافة السلام العالمى لابد وأن تتأصل في ادراك أن المجتمع السلمي يقوى بتنوع ثقافات أعضائه وأنه يتطور من خلال البحث الحر والمستقل لأفراده عن الحقيقة، وأنه ينتظم من خلال حكم القانون الذي يحمي حقوق البشرعلى أختلافهم وتنوعهم. فإزاء ما نرى من تعصب راسخ وتفرقة قائمة على أساس الدين أو العقيدة او الجنس فإننا فى حاجة إلى عملٍ ُمحكم ومتماسك من ِقبل المجتمع الدولي لخلق مناخ يستطيع فيه الأفراد ذوي العقائد والهويات المختلفة أن يعيشوا جنبًا إلى جنب، حياة خالية من العنف  والتعصب والتفرقة العنصرية.
 
وقد أظهرت خبرات السنين الماضية الحاجة إلى تعديلات جوهرية محددة لدستور الأمم المتحدة إذا أرادت هذه المنظمة أن تحمي الأجيال القادمة من ويلاتِ الحروب وإعادة الثقة في الحقوق الأساسية للإنسان وفي كرامة الإنسان وقيمته، وفي تحقيق المساواة في الحقوق للرجال والنساء وكذلك للأمم كبيرها وصغيرها ، والعمل على التقدم الإجتماعي وتحسين مستويات المعيشة في حرية أوسع وتوزيع عادل لثروات العالم  إذ يجب إعطاء تلك المنظمة سلطة حقيقية وقوة عسكرية لحفظ السلام ودعم العدل الدولي ويجب أن تعمل طبقاً لمبدأ المساواة بين الدول.
 
 
 
إن التجانس الثقافي والتوحد الأيديولوجي ليسا ضامنين للسلام والأمن بمفرديهما بل إن إقرار القوانين العادلة التي تضمن الكرامة والمساواة في الحقوق هو الذي من شأنه أن يُرسي الأساس المتين لمجتمع سلمي مزدهر فالتركيز على تربية الأطفال أولاً وقبل كل شيء وعلى وجه الخصوص التربية التى تنشئتهم على البحث والمناقشة بشكل متماسك والمشاركة الحرة في توليد المعرفة  فبهذه الطريقة يمكن أن ُيعد جيل كامل لمواجهة قوى الجهل والتعصب التي تنخر في بنية المجتمعات الإنسانية  الفكرية والإجتماعية، وبالإضافة إلى الدول تقع على عواتق قادة الأديان مسئولية عظمى لمنع الممارسات الإزدرائية حتى لا يصبحوا هم أنفسهم عوائق في طريق السلم والتفاهم المشترك بل عليهم أن يرشدوا أتباعهم قولاً وفعلاً إلى التعايش السلمي مع أولئك الذين يفكرون ويتصرفون بطريقة مختلفة، ففي عالم متعدد الأديان والثقافات لا بد من الأعتراف بأن الإلتزامات المفروضة على جامعة دينية معينة هي ليست ُملزْمة لأشخاص لا ينتمون إلى هذه الجامعة ما لم يكن مضمون هذه الإلتزامات متجاوبًا مع حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليًا.
 
أخيرًا فإن التدابير القانونية وحدها لن تكون قادرة على استئصال النزعات التدميرية نحو العنف والتفرقة وخصوصًا عندما تنحاز هذه التدابير لحماية جماعة من المؤمنين على حساب جماعة أخرى تُضطَهد بنحو مماثل،لابد إذاً من السعى إلى خلق ثقافة من الإحترام وتبادل المعرفة من خلال توجيه جهود مشتركة لدعم مبادئ البحث المستقل عن الحقيقة والتمسك بالنظام العالمي لحقوق الإنسان وخلق بيئة  ثقافيًة وقانونيًة  يُصبح العقل البشري من خلالها حرًا في المعرفة وحرًا في الإيمان. 
 
 إن الإهتمام بنظام التعليم من أجل التنمية المستدامة والمواطنة العالمية بات حاجة لاغنى عنها وكذلك العدالة الإجتماعية والمساواة فهما بُعديْن رئيسييْن قابليْن للتطبيق على كلا المفهوميْن بحيث يمكن القول أن التعليمَ هو حجر الأساس للمجتمع المُستدام الذي تتحقق فيه المواطنة العالمية لكى يمكن تغيير العالم بطريقة أكثر عدالة وأكثر سلمية وبطريقة أكثر إستدامة فالشيء الأكثر أهمية في تعليم قيم المواطنة العالمية هوعن طريق إعادة التعريف والفهم  الحقيبى لهذه القيم فالمواطنين العالميين يجب تعليمهم بطريقة تضمن تطبيق المفهوم على النطاق العالمي لكى يكونوا مواطنين في كوكب الأرض.